للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَأَنَّهُمْ اغْتَفَرُوا ذَلِكَ فِي الْخُطْبَةِ؛ لِحُصُولِ الْقَصْدِ بِهَا بِخِلَافِهِ فِي الصَّلَاةِ وَخَرَجَ بِالتَّقْيِيدِ " بِعَقِبِ " صَلَاةُ الْكُسُوفِ مَا لَوْ قَدَّمَ الْجُمُعَةَ عَلَيْهَا؛ لِخَوْفِ فَوْتِهَا، أَوْ غَيْرِهِ فَلَا تَكْفِيهِ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ، بَلْ يَخْطُبُ لِلْجُمُعَةِ، ثُمَّ يُصَلِّيهَا، ثُمَّ يُصَلِّي الْكُسُوفَ، ثُمَّ يَخْطُبُ لَهُ وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي الْعِيدِ لِاخْتِلَافِ وَقْتِهِ وَوَقْتِ الْجُمُعَةِ فَلَا مُزَاحَمَةَ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ عَقِيبَ الْكَسْفِ وَالْعِيدِ وَالِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهُمَا قَدْ يَتَزَاحَمَانِ بِأَنْ يَثْبُتَ الْعِيدُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَالْقَضَاءُ فِي يَوْمِهِ أَوْلَى لَيْسَ بِوَارِدٍ فَتَأَمَّلْ وَقَوْلُهُ: عَقِيبَ بِالْيَاءِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْكَثِيرُ تَرْكُهَا، وَاعْتَرَضَ عَلَى تَصْوِيرِ اجْتِمَاعِ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ بِأَنَّ الْكُسُوفَ إنَّمَا يَقَعُ فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ، أَوْ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَأَجَابَ أَئِمَّتُنَا بِأَجْوِبَةٍ أَحَدِهَا أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْمُنَجِّمِينَ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: ٢٨٤] ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ بْنُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ فِي الْأَنْسَابِ أَنَّهُ مَاتَ فِي الْعَاشِرِ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْوَاقِدِيِّ مِثْلَهُ وَكَذَا اُشْتُهِرَ أَنَّهَا كَسَفَتْ يَوْمَ قَتْلِ الْحُسَيْنِ وَاشْتُهِرَ أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ الثَّانِي أَنَّ وُقُوعَ الْعِيدِ فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ يُتَصَوَّرُ بِأَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ بِنُقْصَانِ رَجَبٍ وَآخَرَانِ بِنُقْصَانِ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَكَانَتْ فِي الْحَقِيقَةِ كَامِلَةً، الثَّالِثِ أَنَّ الْفَقِيهَ قَدْ يُصَوِّرُ مَا لَا يَقَعُ لِيَتَدَرَّبَ بِاسْتِخْرَاجِ الْفُرُوعِ الدَّقِيقَةِ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي الْعِيدِ) لِاخْتِلَافِ وَقْتِهِ وَوَقْتِ الْجُمُعَةِ فَلَا مُزَاحَمَةَ بَيْنَهُمَا قَدْ يُقَالُ: الْمُشَارُ إلَيْهِ بِهَذَا لَيْسَ إلَّا أَنَّهُ إذَا قَدَّمَ الْجُمُعَةَ لَمْ تَكْفِ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهَذَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعِيدِ بِأَنْ أَرَادَ قَضَاءَهُ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ لَكِنْ قَدَّمَ الْجُمُعَةَ عَلَيْهِ فَيَخْطُبُ لَهَا، ثُمَّ يُصَلِّيهَا، ثُمَّ يُصَلِّي الْعِيدَ قَضَاءً، ثُمَّ يَخْطُبُ لَهُ وَهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ تَصْوِيرُهُ عَلَى الْمُزَاحَمَةِ حَتَّى يَنْتَفِيَ بِانْتِفَائِهَا.

(قَوْلُهُ: لَا يَتَأَتَّى فِي الْعِيدِ) هَلَّا أَتَى فِي الْعِيدِ قَضَاءً كَمَا هُوَ صُورَةُ اجْتِمَاعِهِ مَعَ الْجُمُعَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَقْضِيَ الْعِيدَ بَعْدَ فِعْلِ الْجُمُعَةِ. (قَوْلُهُ: فَلَا مُزَاحَمَةَ) أَقُولُ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: فِي اجْتِمَاعِ عِيدٍ وَجُمُعَةٍ لِصِدْقِهِ بِفِعْلِ الْعِيدِ آخِرَ وَقْتِهَا بِحَيْثُ يَعْقُبُ فِعْلَهَا دُخُولُ الزَّوَالِ وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا اجْتِمَاعَ حِينَئِذٍ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ عَقِيبَ الْكُسُوفِ وَالْعِيدِ) يَعْنِي أَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ تَقَدَّمَتْ الْجُمُعَةُ وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى بِالنِّسْبَةِ لِلْعِيدِ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ الْجُمُعَةِ بِحَيْثُ يَتَأَتَّى تَقَدُّمُهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى الِاحْتِرَازِ وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى تَقَدُّمُ الْعِيدِ بِأَنْ يُفْعَلَ آخِرَ وَقْتِهِ بِحَيْثُ يَعْقُبُ فِعْلَهُ الزَّوَالُ سم. (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِوَارِدٍ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُزَاحَمَةِ وَالْعِيدِ الْمَقْضِيِّ لَا يَكُونُ مُزَاحِمًا لِفَوَاتِ وَقْتِهِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِوَارِدٍ) إذْ التَّزَاحُمُ مَعْنَاهُ الِاجْتِمَاعُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لَهُمَا.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ بِنُقْصَانِ رَجَبٍ إلَخْ) نَظَرَ فِيهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّهَا لَا تَنْكَسِفُ إلَّا فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ أَوْ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ يَقْطَعُ بِكَذِبِ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِأَنَّ غَدًا مِنْ شَوَّالٍ بِرّ وَالْغَدُ الْمَذْكُورُ هُوَ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْوَاقِعِ وَهُوَ مَحَلُّ الْكُسُوفِ وَعِنْدَ الشَّهَادَةِ لَا كُسُوفَ لِسَبْقِهَا عَلَيْهِ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا جَاءَ الْغَدُ وَحَصَلَ فِيهِ الْكُسُوفُ قَطَعَ حِينَئِذٍ بِكَذِبِ الْبَيِّنَةِ السَّابِقَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَآخَرَانِ بِنُقْصَانِ شَعْبَانَ) اُنْظُرْ لِمَ صَوَّرَ بِأَنَّ الشَّاهِدَ بِنُقْصَانِهِمَا غَيْرُ الشَّاهِدِ بِنُقْصَانِ رَجَبٍ؟ . (قَوْلُهُ: فِي الْحَقِيقَةِ كَامِلَةٌ) زَادَ غَيْرُهُ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِمْ وَإِنْ عَلِمَ بِالْحِسَابِ كَذَّبَ الْبَيِّنَةَ بِرّ. (قَوْلُهُ: فِي الْحَقِيقَةِ كَامِلَةٌ) أَيْ: فَيَكُونُ يَوْمُ الْعِيدِ فِي الظَّاهِرِ هُوَ يَوْمُ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ فِي الْوَاقِعِ.

(قَوْلُهُ: الْفُرُوعِ الدَّقِيقَةِ) وَلَوْ اجْتَمَعَ جُمُعَةٌ وَاسْتِسْقَاءٌ جَازَ التَّحَوُّلُ إلَى الْقِبْلَةِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ لِدُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ وَتَحْوِيلِ الرِّدَاءِ كَذَا فِي الْأَنْوَارِ وَبَحَثَ الْمُزَجَّدُ نَدْبَ ذَلِكَ وَقَالَ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ: لَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْأَنْوَارِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْقَى فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ. وَاسْتِدْبَارُ الْخَطِيبِ الْقَوْمَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ مَكْرُوهٌ بَلْ قِيلَ

ــ

[حاشية الشربيني]

وَالْجُمُعَةِ حَصَلَا مَعَ التَّشْرِيكِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْغُسْلَ وَسِيلَةٌ وَبِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ وَاحِدٌ وَهُوَ تَعْمِيمُ الْبَدَنِ بِالْمَاءِ مَعَ كَوْنِ أَظْهَرِ مَقَاصِدِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ التَّنْظِيفَ، وَهُوَ حَاصِلٌ مَعَ ضَمِّ غَيْرِهِ إلَيْهِ فَاغْتُفِرَ ذَلِكَ فِيهِ وَلَمَّا طُلِبَ فِي الْكُسُوفِ مَا لَمْ يُطْلَبْ فِي الْجُمُعَةِ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا: يَخْطُبُ لِلْجُمُعَةِ مُتَعَرِّضًا لِلْكُسُوفِ صَارَا كَأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي الْحَقِيقَةِ. اهـ. ع ش. (قَوْلُهُ: لِحُصُولِ الْقَصْدِ إلَخْ) عَلَّلَ م ر بِأَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ تَابِعَتَانِ لِلْمَقْصُودِ فَلَا تَضُرُّ نِيَّتُهُمَا بِخِلَافِ الصَّلَاةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِحُصُولِ الْقَصْدِ بِهَا إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْخُطْبَةِ فِيهِمَا الْوَعْظُ إذْ لَيْسَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ صَلَاةٍ مِنْهُمَا وَهُوَ حَاصِلٌ بِوَاحِدَةِ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: فَلَا مُزَاحَمَةَ بَيْنَهُمَا) فِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمُزَاحَمَةِ وَلَيْسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>