عَلَى الْمَأْخُوذِ الْمَصْحُوبِ بِمُقَابِلِهِ فَقَطْ فِي التَّبْدِيلِ، كَمَا فَعَلَ النَّاظِمُ مُتَعَيَّنٌ فَقَدْ نَقَلَ الْأَزْهَرِيُّ عَنْ ثَعْلَبٍ بَدَّلْتَ الْخَاتَمَ بِالْحَلْقَةِ إذَا أَذَبْتَهُ وَسَوَّيْتَهُ حَلْقَةً وَبَدَّلْتَ الْحَلْقَةَ بِالْخَاتَمِ إذَا أَذَبْتَهَا وَجَعَلْتَهَا خَاتَمًا قَالَ السُّبْكِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ عَنْ الْوَاحِدِيِّ عَنْ ثَعْلَبٍ عَنْ الْفَرَّاءِ: وَرَأَيْت فِي شِعْرِ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ لَمَّا أَسْلَمَ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَأَلْهَمَنِي هُدَايَ اللَّهُ عَنْهُ ... وَبَدَّلَ طَالِعِي نَحْسِي بِسَعْدِي
وَبِذَلِكَ عُلِمَ فَسَادُ مَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، بَلْ يَلْزَمُ دُخُولُهَا عَلَى الْمَتْرُوكِ.
وَ (بَالَغَ) نَدْبًا (فِي) خُطْبَةٍ (ثَانِيَةٍ) أَيْ: فِي (دُعَائِهَا) بَعْدَ اسْتِقْبَالِهِ الْقِبْلَةَ، كَمَا سَيَأْتِي سِرًّا وَجَهْرًا قَالَ تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: ٥٥] فَإِذَا جَهَرَ أَمَّنَ الْقَوْمُ وَإِذَا أَسَرَّ دَعَوْا سِرًّا وَيَرْفَعُ جَمِيعٌ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ بِجَعْلِ ظَهْرِ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ؛ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْقَصْدَ رَفْعُ الْبَلَاءِ بِخِلَافِ الْقَاصِدِ حُصُولُ شَيْءٍ فَيَجْعَلُ بَطْنَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ وَلْيَكُنْ مِنْ دُعَائِهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ " اللَّهُمَّ أَنْتَ أَمَرْتنَا بِدُعَائِك وَوَعَدَتْنَا بِإِجَابَتِك، وَقَدْ دَعَوْنَاكَ كَمَا أَمَرْتنَا فَأَجِبْنَا، كَمَا وَعَدْتَنَا اللَّهُمَّ اُمْنُنْ عَلَيْنَا بِمَغْفِرَةِ مَا قَارَفْنَا وَإِجَابَتَكَ فِي سُقْيَانَا وَسَعَةِ رِزْقِنَا، وَقَيَّدُوا الْمُبَالَغَةَ فِي الدُّعَاءِ بِالثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِالْخَوَاتِمِ أَمَّا الْأُولَى فَيُسَنُّ فِيهَا الدُّعَاءُ بِلَا مُبَالَغَةٍ فَيَدْعُو فِيهَا جَهْرًا، وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ بِالْمَأْثُورِ وَمِنْهُ «اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مُرِيعًا غَدَقًا مُجَلَّلًا سَحًّا طَبَقًا دَائِمًا اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ، اللَّهُمَّ إنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ مِنْ اللَّأْوَاءِ وَالْجَهْدِ وَالضَّنْكِ مَا لَا نَشْكُو إلَّا إلَيْكَ، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجَهْدَ وَالْجُوعَ وَالْعُرْيَ وَاكْشِفْ عَنَّا مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفُهُ غَيْرُك اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إنَّك كُنْت غَفَّارًا فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا» .
(وَاسْتَقْبَلَ) نَدْبًا (الْقِبْلَةَ) لِدُعَائِهِ (فِي أَثْنَائِهَا) أَيْ: أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ نَحْوُ ثُلُثِهَا، كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي دَقَائِقِهِ فَإِنْ اسْتَقْبَلَ لَهُ فِي الْأُولَى لَمْ يُعِدْهُ فِي الثَّانِيَةِ نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ.
(وَالْعُلْوَ مِنْ رِدَائِهِ سُفْلًا يَدَعْ) أَيْ: وَيَتْرُكُ نَدْبًا بِمَعْنَى يَجْعَلُ عُلْوَ رِدَائِهِ سُفْلَهُ وَبِالْعَكْسِ عِنْدَ اسْتِقْبَالِهِ الْقِبْلَةَ وَيُسَمَّى تَنْكِيسًا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَمَّ بِذَلِكَ وَكَانَ عَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ فَلَمَّا ثَقُلَتْ عَلَيْهِ قَلَبَهَا عَلَى عَاتِقِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ فَرَأَى الشَّافِعِيُّ اتِّبَاعَهُ فِيمَا هَمَّ بِهِ لِظُهُورِ الدَّاعِي إلَى تَرْكِهِ.
(وَيَمْنَةً) بِفَتْحِ الْيَاءِ (يُسْرَى) أَيْ: وَيَدَعُ نَدْبًا يَمْنَةَ رِدَائِهِ يَسْرَتَهُ وَبِالْعَكْسِ وَيُسَمَّى تَحْوِيلًا؛ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ» زَادَ أَحْمَدُ «وَحَوَّلَ النَّاسُ مَعَهُ» وَمَتَى جَعَلَ الْأَسْفَلَ الَّذِي عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ، وَاَلَّذِي عَلَى الْأَيْمَنِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ حَصَلَ التَّنْكِيسُ وَالتَّحْوِيلُ جَمِيعًا وَهَذَا فِي الرِّدَاءِ الْمُرَبَّعِ أَمَّا الْمُدَوَّرِ وَيُقَالُ لَهُ: الْمُثَلَّثُ وَالْمُقَوَّرُ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّحْوِيلُ ذَكَرَهُ فِي
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) مُتَعَلِّقٌ بِشِعْرِ الطُّفَيْلِ.
(قَوْلُهُ: دُعَائِهَا) الْأَوْجَهُ أَنَّهُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ وَإِنْ أَوْهَمَ ذِكْرُ " أَيْ " أَنَّهُ عَطْفُ بَيَانٍ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَيَرْفَعُ جَمِيعَ يَدَيْهِ إلَخْ) قَالَ فِي الرَّوْضِ: وَيَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ قَالَ فِي شَرْحِهِ: قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَيُكْرَهُ رَفْعُ الْيَدِ الْمُتَنَجِّسَةِ فِي الدُّعَاءِ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: لَا يُكْرَهُ بِحَائِلٍ. (قَوْلُهُ: فَيَدْعُو فِيهَا) أَيْ: الْأُولَى
(قَوْلُهُ: أَمَّا الْمُدَوَّرُ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ، أَمَّا الْمُقَوَّرُ وَالْمُثَلَّثُ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّحْوِيلُ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ تَقْتَضِي تَغَايُرَ الْمُثَلَّثِ وَمَا قَبْلَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلِهَذَا عَبَّرَ جَمَاعَةٌ بِأَوْ وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ: قَالَ الْأَصْحَابُ: إنْ كَانَ مُدَوَّرًا وَيُقَالُ لَهُ: الْمُقَوَّرُ وَالْمُثَلَّثُ لَمْ يُسْتَحَبَّ التَّنْكِيسُ يَقْتَضِي اتِّحَادَهُمَا وَلَيْسَ مُرَادًا. اهـ. إذْ الْمُدَوَّرُ مَا يُنْسَجُ أَوْ يُخَاطُ مُقَوَّرًا كَالسُّفْرَةِ، وَالْمُثَلَّثُ مَا لَهُ زَاوِيَةٌ وَاحِدَةٌ فِي مُقَابَلَةِ زَاوِيَتَيْنِ حَجَرٌ ش ع. (قَوْلُهُ: إلَّا التَّحْوِيلَ) أَيْ: لِعُسْرِ تَنْكِيسِهِ إذْ لَيْسَ لَهُ زَاوِيَةٌ يَسْهُلُ تَنَاوُلُ الْيَدِ لَهَا حَتَّى يَجْعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَعَكْسُهُ حَجَرٌ
ــ
[حاشية الشربيني]
حِينَئِذٍ عَلَى الْمَتْرُوكِ كَمَا فِي الِاسْتِبْدَالِ وَالتَّبَدُّلِ اهـ وَقَوْلُهُ: مُطْلَقًا أَيْ: سَوَاءٌ ذَكَرَ مَعَ الْمَتْرُوكِ وَالْمَأْخُوذِ غَيْرَهُمَا أَمْ لَا. اهـ. ع ش وَبِهِ ظَهَرَ مَعْنَى قَوْلِهِ: الْمَصْحُوبِ بِمُقَابِلِهِ فَقَطْ فِي التَّبْدِيلِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: مُتَعَيَّنٌ) قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ الْأَفْصَحُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: أَيْ: فِي دُعَائِهَا) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ عَطْفُ بَيَانٍ. اهـ. لَكِنْ الْأَوْلَى أَنَّهُ بَدَلٌ. (قَوْلُهُ: بِجَعْلِ ظَهْرِ كَفَّيْهِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ دَائِمًا اعْتِبَارًا لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْقَصْدِ لَكِنْ فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ أَنَّ الْإِشَارَةَ بِظَهْرِ الْكَفِّ فِي كُلِّ صِيغَةٍ، فِيهَا دَفْعٌ نَحْوُ اكْشِفْ وَارْفَعْ وَبِبَطْنِهِ فِي كُلِّ صِيغَةٍ، فِيهَا تَحْصِيلٌ نَحْوَ: أَسْقِنَا وَأَنْبِتْ لَنَا وَمَا فِي الْمَنْهَجِ مِنْ اعْتِبَارِ الْقَصْدِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَوْ اجْتَمَعَ التَّحْصِيلُ وَالرَّفْعُ كَأَنْ سَمِعَ شَخْصًا دَعَا بِهِمَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ افْعَلْ لِي مِثْلَ ذَلِكَ رَاعَى الثَّانِي. اهـ. (قَوْلُهُ: أَسْقِنَا) بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَسْقَى وَوَصْلِهَا مِنْ سَقَى ع ش. (قَوْلُهُ: مَرِيعًا) أَيْ: ذَا رَيْعٍ وَقَوْلُهُ: غَدَقًا أَيْ: كَثِيرَ الْمَاءِ وَالْخَيْرِ أَوْ كَبِيرَ الْقَطْرِ. (قَوْلُهُ: مُجَلِّلًا) أَيْ: يَعُمُّ الْأَرْضَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَا يَخْرُجُ بِسَبَبِهِ كَجُلِّ الْفَرَسِ، طَبَقًا أَيْ: كَالطَّبَقِ عَلَى الْأَرْضِ لِاسْتِيعَابِهِ لَهَا دَائِمًا إلَى انْتِهَاءِ الْحَاجَةِ، وَاللَّأْوَاءُ شِدَّةُ الْمَجَاعَةِ. (قَوْلُهُ: سَحَّاءَ) يُقَالُ سَحَّ إذَا سَالَ مِنْ أَعْلَى إلَى أَسْفَلَ وَسَاحَ، إذَا سَالَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. اهـ. ق ل وَفِي التُّحْفَةِ أَنَّهُ شَدِيدُ الْوَقْعِ عَلَى الْأَرْضِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: يَدَعُ) أَيْ: الذَّكَرُ فَقَطْ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى. اهـ. ق ل
(قَوْلُهُ: الْمُدَوَّرُ) وَكَذَا الطَّوِيلُ م ر. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّحْوِيلُ) ؛ لِأَنَّ التَّنْكِيسَ فِيهِ مُتَعَسِّرٌ