للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَوْقِفٍ إذَا خَرَجَ مَعَنَا فَيُمْنَعُ مِنْ اخْتِلَاطِهِ بِنَا؛ لِأَنَّهُ مَلْعُونٌ وَقَالَ تَعَالَى {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: ٢٥] فَإِنْ خَالَطُونَا كُرِهَ وَيُكْرَهُ إخْرَاجُهُمْ وَخُرُوجُهُمْ مَعَنَا؛ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا كَانُوا سَبَبَ الْقَحْطِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَا أَكْرَهُ مِنْ إخْرَاجِ صِبْيَانِهِمْ مَعَنَا مَا أَكْرَهُ مِنْ خُرُوجِ كِبَارِهِمْ؛ لِأَنَّ ذُنُوبَهُمْ أَقَلُّ لَكِنْ يُكْرَهُ؛ لِكُفْرِهِمْ وَعَلَّلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ كُفْرَهُمْ لَيْسَ عِنَادًا بِخِلَافِ الْكِبَارِ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالنَّصُّ الْمَذْكُورُ يَقْتَضِي كُفْرَ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِمْ إذَا مَاتُوا فَقَالَ الْأَكْثَرُ: إنَّهُمْ فِي النَّارِ وَطَائِفَةٌ: لَا نَعْلَمُ حُكْمَهُمْ وَالْمُحَقِّقُونَ: إنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ وَوُلِدُوا عَلَى الْفِطْرَةِ وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّهُمْ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا كُفَّارٌ وَفِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ مُسْلِمُونَ.

(وَ) نَدْبًا (يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ سِرًّا) أَيْ: فِي نَفْسِهِ (عَمَلَهُ مِنْ الْجَمِيلِ وَشَفِيعًا جَعَلَهْ) أَيْ: وَجَعَلَ عَمَلَهُ الْجَمِيلَ شَفِيعًا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ ذَلِكَ لَائِقٌ بِالشَّدَائِدِ، كَمَا فِي خَبَرِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ أَوَوْا إلَى الْغَارِ.

(وَالْأَفْضَلُ اسْتِسْقَاؤُهُمْ بِالْأَتْقِيَا) ؛ لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ وَكَمَا اسْتَسْقَى مُعَاوِيَةُ بِيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ (لَا سِيَّمَا) إنْ كَانُوا (مِنْ آلِ خَيْرِ الْأَنْبِيَا) صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، كَمَا اسْتَسْقَى عُمَرُ بِالْعَبَّاسِ عَمِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(ثُمَّ كَعِيدٍ خُطْبَتَا اسْتِدْبَارِ) أَيْ: ثُمَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ سُنَّ خُطْبَتَانِ مُسْتَدْبِرًا بِهِمَا الْقِبْلَةَ كَخُطْبَتَيْ الْعِيدِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَيَجُوزُ - كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا - تَقْدِيمُ الْخُطْبَةِ عَلَى الصَّلَاةِ؛ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ فَلَوْ عَبَّرَ النَّاظِمُ بِالْوَاوِ بَدَلَ " ثُمَّ " لَأَفَادَ ذَلِكَ وَكَأَنَّهُ عَبَّرَ كَالْحَاوِي تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ " بِثُمَّ " لِيُفِيدَ الْأَكْمَلَ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ، كَمَا فِي الْعِيدِ وَمَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَكْفِي خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِوَاحِدَةٍ فِي الْعِيدِ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ مَا فِي تَعْلِيقِ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْبَنْدَنِيجِيِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ لَمْ يُحَوِّلْ الرِّدَاءَ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْخُطْبَةِ أَجْزَأَهُ وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ هَذَا سُنَّةٌ انْتَهَى وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يُفِيدُ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ لَهُ نَظِيرُهُ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ وَنَبَّهْت هُنَاكَ عَلَى مَا فِيهِ وَالتَّصْرِيحُ هُنَا بِالِاسْتِدْبَارِ مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ.

(وَبَدَّلَ) الْخَطِيبُ (التَّكْبِيرَ) الْمَشْرُوعَ فِي خُطْبَتَيْ الْعِيدِ (بِاسْتِغْفَارِ) فِي خُطْبَتَيْ الِاسْتِسْقَاءِ فَيَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِالْحَالِ وَيُكْثِرُ فِيهِمَا مِنْ الِاسْتِغْفَارِ وَمِنْ قَوْلِهِ: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: ١٠] {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: ١١] وَمِنْ دُعَاءِ الْكَرْبِ وَهُوَ «لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمُ» وَبَدَّلَ أَيْضًا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِطْرَةِ وَالْأُضْحِيَّةَ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِسْقَاءِ وَدُخُولُ الْبَاءِ

ــ

[حاشية العبادي]

مَقْبُولٍ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْكِبَارِ) فِي إطْلَاقِ أَنَّ كُفْرَ الْكِبَارِ عِنَادٌ وَقْفَةٌ. (قَوْلُهُ: وَالنَّصُّ الْمَذْكُورُ يَقْتَضِي إلَخْ) أَقُولُ: وَيَقْتَضِي أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ حَيْثُ أَثْبَتَ لَهُمْ ذُنُوبًا أَقَلَّ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُكَلَّفِينَ فَمِنْ أَيْنَ الذُّنُوبُ؟ وَلَا يَخْفَى إشْكَالُ تَكْلِيفِهِمْ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ الذُّنُوبُ صُورَةً وَإِنْ لَمْ تُوجِبْ إثْمًا وَالذُّنُوبُ وَلَوْ صُورَةً تُؤَثِّرُ فَلْيُتَأَمَّلْ. سم. (قَوْلُهُ: فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا كُفَّارٌ) وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا اقْتَضَاهُ النَّصُّ السَّابِقُ أَوْ يَكُونُ مُوَافِقًا لِلْأَكْثَرِ.

(قَوْلُهُ: فِي نَفْسِهِ) يُتَّجَهُ جَعْلُ " فِي نَفْسِهِ " تَفْسِيرًا لِلسَّتْرِ هُنَا لَكِنْ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ إخْفَاءُ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ لَا أَنْ لَا يَنْطِقَ بِهِ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ مَطْلُوبٌ بِاللِّسَانِ أَيْضًا وَقَضِيَّةُ جَعْلِ الْعَمَلِ شَفِيعًا فِي دُعَائِهِ اللِّسَانِيِّ أَنْ يَنْطِقَ بِهِ وَإِنْ عَبَّرَ فِي الْعُبَابِ بِمَا يُوَافِقُ عِبَارَةَ الشَّارِحِ فَقَالَ: أَنْ يَحْضُرَ بِبَالِهِ مَا عَمِلَ إلَخْ ويُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ قَوْلُهُمْ كَمَا فِي خَبَرِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ أَوَوْا إلَى الْغَارِ فَإِنَّهُمْ نَطَقُوا بِأَعْمَالِهِمْ فِي الِاسْتِشْفَاعِ بِهَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قِصَّتُهُمْ الْمَبْسُوطَةُ فِي مَحَلِّهَا بَلْ لَمْ يُخْفِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ تِلْكَ الْقِصَّةِ.

(قَوْلُهُ: بِمُقَابَلَةٍ فَقَطْ) يُحَرَّرُ مُحْتَرَزُهُ

ــ

[حاشية الشربيني]

شَرْحَيْ الْمَنْهَجِ وَالرَّوْضِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الرَّوْضَةِ عَنْ النَّصِّ كَرَاهَةُ خُرُوجِهِمْ، وَأَمَّا عِبَارَةُ هَذَا الشَّارِحِ فَهِيَ كَمَا تَرَى صَرِيحَةً فِي كَرَاهَةِ الْخُرُوجِ مَعَنَا فَقَطْ، وَفِي أَنَّهُمْ إذَا خَرَجُوا مَعَنَا نُدِبَ امْتِيَازُهُمْ عَنَّا فَيُمْنَعُونَ مِنْ اخْتِلَاطِهِمْ بِنَا فَلَعَلَّ مَعْنَى قَوْلِ الْعُبَابِ فَيُمْنَعُونَ إلَخْ أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ الْخُرُوجَ إنْ لَمْ يَرْضَوْا بِعَدَمِ الِاخْتِلَاطِ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: بِمَوْقِفٍ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إلَّا الِاخْتِلَاطُ بِنَا فِي الْمَوْقِفِ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ يُكْرَهُ لَنَا فِيمَا يَظْهَرُ تَمْكِينُهُمْ مِنْ الِاخْتِلَاطِ بِنَا مِنْ حِينِ الْخُرُوجِ إلَى الْعَوْدِ وَقَوْلٌ شَيْخِنَا فِي مُصَلَّانَا: الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَصْوِيرٌ فَقَطْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ إخْرَاجُهُمْ) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَعَنَا. (قَوْلُهُ: وَخُرُوجُهُمْ مَعَنَا) وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُمْنَعُونَ اهـ شَيْخُنَا. اهـ. مَرْصَفِيٌّ وَقَوْلُهُ: وَمَعَ ذَلِكَ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: مِنْ إخْرَاجِ صِبْيَانِهِمْ مَعَنَا إلَخْ) لَعَلَّ الْإِخْرَاجَ بِمَعْنَى الْخُرُوجِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ: مَا أَكْرَهُ مِنْ خُرُوجِ إلَخْ، وَإِلَّا فَكَرَاهَةُ الْإِخْرَاجِ لَا تَتَقَيَّدُ بِكَوْنِهِمْ مَعَنَا بِخِلَافِ الْخُرُوجِ. تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ عِنَادًا) أَيْ: حَقِيقَةً أَوْ بِالْقُوَّةِ لِظُهُورِ أَدِلَّةِ التَّوْحِيدِ.

(قَوْلُهُ: وَدُخُولُ الْبَاءِ إلَخْ) نَقَلَ م ر فِي شَرْحِ خُطْبَةِ الْمِنْهَاجِ عَنْ الشَّمْسِ الْقَايَاتِيِّ شَيْخِ الشَّارِحِ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ أَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الْمَأْخُوذِ فِي الْإِبْدَالِ مُطْلَقًا وَفِي التَّبْدِيلِ إنْ لَمْ يَذْكُرْ مَعَ الْمَتْرُوكِ وَالْمَأْخُوذِ غَيْرَهُمَا فَقَدْ نَقَلَ الْأَزْهَرِيُّ إلَخْ مَا فِي الشَّارِحِ، أَمَّا إذَا ذَكَرَ مَعَهُمَا غَيْرَهُمَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} [سبأ: ١٦] وَكَمَا فِي قَوْلِكَ: بَدَّلَهُ نَحْوُ قُدَّامَنَا، فَدُخُولُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>