للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُسَافِرِينَ وَصَلَّوْا آخِرَ النَّهَارِ لَا صَوْمَ عَلَيْهِمْ، بَلْ قَضِيَّةُ الْأَوَّلِ ذَلِكَ أَيْضًا وَإِنْ وَصَلُوا أَوَّلَ النَّهَارِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا تَضَرَّرَ بِالصَّوْمِ فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ (بِبِذْلَةٍ) أَيْ: مَعَ ثِيَابِ بِذْلَةٍ أَيْ: مِهْنَةٍ وَهِيَ الْمَلْبُوسَةُ حَالَةَ الْخِدْمَةِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الِاسْتِسْقَاءِ مُبْتَذِلًا مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى فَلَمْ يَزَلْ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّكْبِيرِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَمَا صَلَّى الْعِيدَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَعُلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَتَزَيَّنُونَ وَلَا يَتَطَيَّبُونَ، بَلْ يَتَنَظَّفُونَ بِالْمَاءِ وَالسِّوَاكِ وَقَطْعِ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ، وَفَارَقَ الْعِيدَ بِأَنَّهُ يَوْمُ زِينَةٍ وَهَذَا يَوْمُ مَسْأَلَةٍ وَاسْتِكَانَةٍ.

(وَ) سُنَّ أَنْ تَخْرُجَ (مَعَهُمْ الْبَهَائِمُ وَشِيَخَةٌ وَصِبْيَةٌ) بِكَسْرِ الشِّينِ وَالصَّادِ جَمْعُ شَيْخٍ وَصَبِيٍّ؛ لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ إذْ الشَّيْخُ أَرَقُّ قَلْبًا وَالصَّبِيُّ لَا ذَنْبَ لَهُ «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ «وَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَسْتَسْقِي فَإِذَا هُوَ بِنَمْلَةٍ رَافِعَةٍ بَعْضَ قَوَائِمِهَا إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: ارْجِعُوا فَقَدْ اُسْتُجِيبَ لَكُمْ مِنْ أَجْلِ شَأْنِ النَّمْلَةِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَفِي الْبَيَانِ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ هُوَ سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَنَّ النَّمْلَةَ وَقَفَتْ عَلَى ظَهْرِهَا وَرَفَعَتْ يَدَيْهَا وَقَالَتْ: اللَّهُمَّ أَنْتَ خَلَقْتَنَا فَإِنْ رَزَقْتَنَا وَإِلَّا فَأَهْلِكْنَا قَالَ: وَرُوِيَ أَنَّهَا قَالَتْ: اللَّهُمَّ إنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِكَ لَا غِنَى بِنَا عَنْ رِزْقِكَ فَلَا تُهْلِكْنَا بِذُنُوبِ بَنِي آدَمَ وَعَطَفَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ عَلَى الشِّيَخَةِ الْعَجَائِزَ وَغَيْرَ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَتُوقَفُ الْبَهَائِمُ مَعْزُولَةً وَقِيلَ: لَا يُسَنُّ إخْرَاجُهَا إذْ لَيْسَ لَهَا أَهْلِيَّةُ دُعَاءٍ وَحَكَاهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ قَالُوا: وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَالْأَوَّلُ هُوَ مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ مَعَ حِكَايَةِ النَّوَوِيِّ فِي مَجْمُوعِهِ وَغَيْرِهِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ الْمَذْكُورِ.

(وَجَازَا خُرُوجُ ذِمِّيٍّ) فِي يَوْمِنَا أَوْ غَيْرِهِ لِطَلَبِ الرِّزْقِ وَفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ، وَقَدْ يُجِيبُهُ اسْتِدْرَاجًا لَهُ قَالَ تَعَالَى {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: ١٨٢] (وَعَنَّا امْتَازَا)

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: بَلْ قَضِيَّةُ الْأَوَّلِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا أَمَرَ بِهِ هُنَا صَارَ وَاجِبًا وَقَدْ يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَيَّدَ وُجُوبُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ الْمُسَافِرُ فَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ فَلَا وُجُوبَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِهِ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَطْلُوبٍ لِكَوْنِ الْفِطْرِ أَفْضَلَ. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنَّ الضَّرَرَ الَّذِي يَحْتَمِلُ إعَادَةً لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ. (قَوْلُهُ: أَوَّلَ النَّهَارِ) الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ: الْوُجُوبُ عَلَيْهِمْ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: وَصِبْيَةٌ إلَخْ) وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّ مُؤْنَةَ حَمْلِهِمْ فِي مَالِ الْوَلِيِّ كَمُؤْنَةِ حَجِّهِمْ بَلْ أَوْلَى وَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ بِأَنْ كَانُوا مِنْ الْمُحْتَاجِينَ فَفِي مَالِهِمْ، وَإِلَّا فَفِي مَالِ الْوَلِيِّ م ر.

(قَوْلُهُ: وَصِبْيَةٌ) نَقَلَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ كَلَامًا قَالَ: إنَّ قَضِيَّتَهُ أَنَّ مُؤْنَةَ إخْرَاجِ الصِّبْيَانِ فِي مَالِهِمْ لَا مَالِ الْوَلِيِّ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرُ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ إلَخْ) هَذَا يُوَافِقُ الْفَرْعَ الْمَارَّ آخِرَ الْكُسُوفِ لِأَنَّ غَيْرَ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ يَشْمَلُ الشَّوَابَّ وَحِينَئِذٍ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَةِ فَكَأَنَّهُ اُغْتُفِرَ ذَلِكَ هُنَا وَفِي الْكُسُوفِ لِنُدْرَتِهِمَا.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ يُجِيبُهُ) يُفِيدُ أَنَّ دُعَاءَ الْكَافِرِ قَدْ يُقْبَلُ وَهُوَ مَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ وَقِيَاسُ ذَلِكَ جَوَازُ التَّأْمِينِ عَلَى دُعَائِهِ خِلَافًا لِقَوْلِ الرُّويَانِيِّ لَا يَجُوزُ التَّأْمِينُ عَلَى دُعَاءِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ دُعَاءَهُ غَيْرُ

ــ

[حاشية الشربيني]

قَالَ فِي التُّحْفَةِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا أَمَرَ بِهِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ لَا يَجِبُ امْتِثَالُهُ إلَّا ظَاهِرًا فَقَطْ بِخِلَافِ مَا فِيهِ ذَلِكَ يَجِبُ بَاطِنًا أَيْضًا. اهـ. وَقَوْلُهُ: مِمَّا لَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ أَقُولُ: وَكَذَا مِمَّا فِيهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ أَيْضًا فِيمَا يَظْهَرُ إذَا كَانَتْ تَحْصُلُ مَعَ الِامْتِثَالِ ظَاهِرًا فَقَطْ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمَنْهِيَّ كَالْمَأْمُورِ فَيَجْرِي فِيهِ جَمِيعُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي الْمَأْمُورِ فَيَمْتَنِعُ ارْتِكَابُهُ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَكْفِي الِانْكِفَافُ ظَاهِرًا إذَا لَمْ تَكُنْ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ أَوْ حَصَلَتْ مَعَ الِانْكِفَافِ ظَاهِرًا فَقَطْ. اهـ. سم. (قَوْلُهُ: وَمَعْلُومٌ إلَخْ) فَأَمْرُهُ بِهَا تَأْكِيدٌ لِلْأَمْرِ بِهَا شَرْعًا. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ إلَخْ) يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَهُنَاكَ بِأَنَّهُ هُنَاكَ يَقْضِي بِخِلَافِهِ هُنَا. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ: إذَا تَضَرَّرَ) أَيْ: ضَرَرًا يَجُوزُ مَعَهُ الصَّوْمُ إذْ مَا لَا يَجُوزُ مَعَهُ يَكُونُ الْفِطْرُ فِيهِ وَاجِبًا. (قَوْلُهُ: وَسُنَّ إلَخْ) وَيُتَّجَهُ الْوُجُوبُ إذَا أَمَرَ الْإِمَامُ سم عَلَى التُّحْفَةِ

(قَوْلُهُ: وَجَازَ إلَخْ) أَيْ: لَا يَنْبَغِي لَنَا مَنْعُهُ. اهـ. م ر وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَلَا يُمْنَعُ أَهْلُ ذِمَّةٍ حُضُورًا قَالَ الْجَمَلُ أَيْ: لَا يُطْلَبُ مَنْعُهُمْ لَا إيجَابًا وَلَا نَدْبًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَفِي الرَّوْضَةِ عَنْ النَّصِّ كَرَاهَةُ تَمْكِينِنَا لَهُمْ مِنْ الْحُضُورِ فَعَلَيْهِ مَنْعُهُمْ مَنْدُوبٌ وَتَرْكُهُ مَكْرُوهٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ. اهـ. شَيْخُنَا وَفِيهِ نَظَرٌ إنْ كَانَ الْمُرَادُ الْحُضُورَ مَعَنَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: ذِمِّيٌّ) مِثْلُهُ غَيْرُهُ بَلْ أَوْلَى لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ كَالذِّمِّيِّ. اهـ. مَرْصَفِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُجِيبُهُ) وَقَدْ أَجَابَ دَعْوَةَ إبْلِيسَ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. اهـ. مَرْصَفِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَعَنَّا امْتَازَا) قِيلَ: بِمِقْدَارِ ثَلَثِمِائَةِ ذِرَاعٍ وَقِيلَ: بِأَنْ لَا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَقِيلَ: الِامْتِيَازُ بِحَسَبِ الْعُرْفِ كَذَا بِهَامِشِ الْحَاوِي. (قَوْلُهُ: وَعَنَّا امْتَازَا إلَخْ) عِبَارَةُ الْعُبَابِ وَيُكْرَهُ إخْرَاجُ الْكُفَّارِ وَخُرُوجُهُمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَيُمْنَعُونَ إلَّا أَنْ يَتَحَيَّزُوا عَنْهُمْ وَهِيَ تَقْتَضِي تَقْيِيدَ كَرَاهَةِ الْخُرُوجِ لِمُصَاحَبَتِهِمْ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ بِخِلَافِ عِبَارَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>