للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَاءَ بِهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ فَلَوْ كَفَرَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ.

وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى تَرْكِهَا جُحْدًا، أَوْ عَلَى التَّغْلِيظِ أَوْ الْمُرَادُ بَيْنَ مَا يُوجِبُهُ الْكُفْرُ مِنْ وُجُوبِ الْقَتْلِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ إخْرَاجُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُهَا فِي الْعُذْرِ فَكَانَ شُبْهَةً فِي الْقَتْلِ وَأَمَّا فِي تَرْكِ الْوُضُوءِ؛ فَلِأَنَّهُ تَرَكٌ لِلصَّلَاةِ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ حَتَّى يُخْرِجَهَا عَنْ وَقْتِهَا أَوْ وَقْتِ الْجَمْعِ وَالْأَوْجَهُ قَتْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهَا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَهَاوِنٌ بِالدِّينِ فَغَلُظَ عَلَيْهِ وَيُقَاسُ بِالْوُضُوءِ سَائِرُ الشُّرُوطِ وَصَرَّحَ فِي الْبَيَانِ بِبَعْضِهَا فَقَالَ: لَوْ صَلَّى عُرْيَانًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى السُّتْرَةِ، أَوْ الْفَرِيضَةِ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ قُتِلَ وَمَحَلُّهُ فِيمَا لَا خِلَافَ فِيهِ، أَوْ فِيهِ خِلَافٌ وَاهٍ فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ لَوْ تَرَكَ فَاقِدًا لِطَهُورَيْنِ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا، أَوْ مَسَّ شَافِعِيٌّ الذَّكَرَ، أَوْ لَمَسَ الْمَرْأَةَ، أَوْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَنْوِ وَصَلَّى مُتَعَمِّدًا لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّ جَوَازَ صَلَاتِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ

(لَا) إنْ تَرَكَ (الْجُمُعَةَ) وَصَلَّى الظُّهْرَ بِلَا عُذْرٍ فَلَا يُقْتَلُ كَالصَّوْمِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ لَهَا بَدَلًا وَأَعْذَارُهَا كَثِيرَةٌ.

وَهَذَا مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ وَجَزَمَ الشَّاشِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ بِقَتْلِهِ؛ لِتَرْكِهَا بِلَا قَضَاءٍ إذْ الظُّهْرُ لَيْسَ قَضَاءً عَنْهَا وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَحْقِيقِهِ: إنَّهُ الْأَقْوَى قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مُوَافَقَتُهُ عَلَى اعْتِبَارِ وَقْتِ الضَّرُورَةِ مَعَ أَنَّ تَأْخِيرَ الظُّهْرِ إلَى ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى غَيْرِ الْمَعْذُورِ؛ لِحُصُولِ مُعْظَمِ الْمَقْصُودِ مِنْ فِعْلِ الظُّهْرِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ وَفِعْلُهَا لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ الْجُمُعَةِ وَقَدْ عُرِفَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ قَضَاءَ مَا تَرَكَهُ عَمْدًا مِنْ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ كَذَلِكَ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ مَقْتُولٌ بِتَرْكِهَا؛ وَلِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ بِهِ وَجَوَابُ قَوْلِهِ: وَإِنْ بِعَمْدِ قَوْلُهُ (اُسْتُتِيبَ، ثُمَّ) اُسْتُحِقَّ (الْقَتْلَا) ، كَمَا تَقَرَّرَ وَذِكْرُ الِاسْتِتَابَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَالْمُرَادُ، كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهُ يُطَالَبُ بِأَدَائِهَا

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ) أَيْ: مِنْ غَيْرِ عَذَابٍ بِدَلِيلِ مُقَابِلِهِ أَيْ: إلَّا لِمُقْتَضٍ آخَرَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ) أَيْ: تَارِكَ الْوُضُوءِ لَا يُقْتَلُ إلَخْ اعْتَمَدَهُ م ر. (قَوْلُهُ: لَوْ تَرَكَ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا إلَخْ) أَيْ: وَلَمْ يُقَلِّدْ الْقَائِلَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِذَلِكَ شُبْهَةٌ دَافِعَةٌ لِلْقَتْلِ، أَمَّا لَوْ قَلَّدَهُ حَيْثُ صَحَّ تَقْلِيدُهُ فَلَا يَتَخَيَّلُ عَاقِلٌ أَنَّهُ يُقْتَلُ، فَاحْفَظْ ذَلِكَ وَاحْذَرْ خِلَافَهُ.

(قَوْلُهُ: بِقَتْلِهِ) قَالَ النَّاشِرِيُّ: قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَلَا يَسْقُطُ الْقَتْلُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا قَضَاءَ لَهَا. اهـ. وَفِي فَتَاوَى الشَّارِحِ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِالْجُمُعَةِ إذَا ضَاقَ وَقْتُهَا عَنْهَا وَعَنْ الْخُطْبَةِ (قَوْلُهُ: بِقَتْلِهِ) اعْتَمَدَهُ م ر. (قَوْلُهُ: إنَّهُ الْأَقْوَى) الَّذِي فِي الْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ أَنَّهُ قَوِيٌّ بِرّ

ــ

[حاشية الشربيني]

حَدِّهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَرْتَفِعُ الْقَتْلُ إلَخْ) أَيْ: الْقَتْلُ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ مِنْ الْمُقَاتَلَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ) اعْتَمَدَهُ م ر. (قَوْلُهُ: عَنْ وَقْتِهَا) أَيْ: إنْ لَمْ تُجْمَعْ أَوْ وَقْتَ الْجَمْعِ إنْ جُمِعَتْ. (قَوْلُهُ: سَائِرُ الشُّرُوطِ) مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِلَافٌ كَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَإِنَّ لِلْمَالِكِيَّةِ قَوْلًا قَوِيًّا مَشْهُورًا: إنَّ إزَالَتَهَا لِلصَّلَاةِ سُنَّةٌ. اهـ. تُحْفَةٌ.

(قَوْلُهُ: وَصَلَّى الظُّهْرَ) مِثْلُهُ مَا إذَا قَالَ: أُصَلِّيهَا ظُهْرًا، أَمَّا إذَا لَمْ يُصَلِّ وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِعَدَمِ قَتْلِهِ بِالْجُمُعَةِ حَتَّى لَا يُقْتَلَ إلَّا إنْ أَخَّرَ الظُّهْرَ عَنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ بَلْ يُقْتَلُ بِمُجَرَّدِ ضِيقِ الْوَقْتِ اتِّفَاقًا. اهـ. شَيْخُنَا. اهـ. مَرْصَفِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِقَتْلِهِ) أَيْ: إنْ لَمْ يَبْقَ مَا يَسَعُ الْخُطْبَةَ وَالْجُمُعَةَ وَأَصَرَّ عَلَى عَدَمِ فِعْلِهَا فَإِنْ تَابَ لَمْ يُقْتَلْ. اهـ. مِنْ هَامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى الشَّارِحِ وَبِهِ قَالَ م ر سم. (قَوْلُهُ: بِقَتْلِهِ) أَيْ: إنْ لَمْ يَتُبْ فَإِنْ تَابَ وَقَالَ: أُصَلِّي الْجُمُعَةَ الْقَابِلَةَ لَكِنَّهُ لَمْ يُصَلِّ ظُهْرَ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَفْتَى م ر بِأَنَّهُ يُقْتَلُ إنْ امْتَنَعَ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَأَنَّ مَحَلَّ امْتِنَاعِ الْقَتْلِ بِالْقَضَاءِ إنْ لَمْ يُهَدَّدْ بِهِ أَوْ بِأَصْلِهِ كَمَا هُنَا فَإِنَّ التَّهْدِيدَ عَلَى الْجُمُعَةِ تَهْدِيدٌ عَلَى تَرْكِ بَدَلِهَا لِقِيَامِهِ مَقَامَهَا. اهـ.

ع ش الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ وَقْتِ الْعَصْرِ فَحَرِّرْ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ: لِأَنَّ فِعْلَ الظُّهْرِ بَدَلَهَا كَفِعْلِ الصَّلَاةِ قَضَاءً. (قَوْلُهُ: وَقْتَ الضَّرُورَةِ) الْمُرَادُ بِهِ وَقْتُ الْعُذْرِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الضَّرُورَةِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ. اهـ. ق ل. (قَوْلُهُ: بِمَا تَقَرَّرَ) أَيْ: مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ نَوْمًا وَنِسْيَانًا قَضَى مُوَسَّعًا. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ مَقْتُولٌ بِتَرْكِهَا) يُفِيدُ أَنْ يُقْتَلَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِفِعْلِهَا عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْفَوْرِ شَامِلٌ لِذَلِكَ وَبِهِ قَالَ م ر حَيْثُ قَالَ: يُقْتَلُ مَتَى قَالَ: تَعَمَّدْت تَرْكَهَا بِلَا عُذْرٍ لِتَحَقُّقِ التَّأْخِيرِ وَخَالَفَ حَجَرٌ فَقَالَ: لَا يُقْتَلُ إلَّا إذَا تُوُعِّدَ بِالْقَتْلِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَاعْتَمَدَهُ ع ش. اهـ.

ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِيهِ الْخِلَافُ هُوَ مَا إذَا قَالَ: تَعَمَّدْت تَرْكَهَا، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ إلَخْ) إنَّمَا قَالَ: الْمُرَادُ؛ لِأَنَّ صَرِيحَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْقَتْلِ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُرَادِ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: أَنْ يُطَالَبَ بِأَدَائِهَا إلَخْ) وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْمَقْضِيَّةَ لَا يُقْتَلُ بِهَا وَقَدْ قُلْتُمْ: لَا يُقْتَلُ إلَّا إنْ أَخْرَجَهَا عَنْ جَمِيعِ أَوْقَاتِهَا فَتَصِيرُ مَقْضِيَّةً؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّةَ لَا يُقْتَلُ بِهَا إذَا لَمْ يَتَوَعَّدْ عَلَيْهَا فِي وَقْتِهَا. اهـ. جَمَلٌ. (قَوْلُهُ: إنَّهُ يُطَالَبُ وَيُتَوَعَّدُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْقَتْلِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الطَّلَبِ وَالتَّوَعُّدِ وَمِثْلُهُ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ م ر وَاقْتَصَرَ حَجَرٌ عَلَى التَّوَعُّدِ وَفِي الْجَمَلِ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْ: شَرْحِ الْمَنْهَجِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالتَّهْدِيدِ وَأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ إلَّا بَعْدَ ذَلِكَ وَنَقَلَ شَيْخُنَا أَنَّهُ يَكْتَفِي بِالْأَمْرِ وَفِي كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ تَقْدِيمُ الطَّلَبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>