جُنَّ أَوْ سَكِرَ قَبْلَ فِعْلِ الصَّلَاةِ لَمْ يُقْتَلْ فَإِنْ قُتِلَ وَجَبَ الْقَوَدُ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْمُرْتَدِّ لَا قَوَدَ عَلَى قَاتِلِهِ؛ لِقِيَامِ الْكُفْرِ وَأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الْمَنْذُورَةِ.
وَأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْإِمَامُ قَتْلَهُ فَقَالَ: صَلَّيْت فِي بَيْتِي تَرَكَهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ عَلَى صَلَاتِهِ وَأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَقَالَ: تَرَكْتُهَا نَاسِيًا أَوْ لِلْبَرْدِ، أَوْ لِعَدَمِ الْمَاءِ أَوْ لِنَجَاسَةٍ كَانَتْ عَلَيَّ وَنَحْوَهَا مِنْ الْأَعْذَارِ صَحِيحَةً كَانَتْ الْأَعْذَارُ، أَوْ بَاطِلَةً يُقَالُ لَهُ: صَلِّ فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يُقْتَلْ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ تَعَمُّدَهُ تَأْخِيرَهَا عَنْ الْوَقْتِ وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ: تَرَكْتهَا بِلَا عُذْرٍ وَلَا أُرِيدُ فِعْلَهَا قُتِلَ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَقُلْ: وَلَا أُرِيدُ فِعْلَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِتَحَقُّقِ جِنَايَتِهِ وَهَذَا مَفْهُومٌ مِنْ النَّظْمِ وَأَصْلِهِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ فِي جُنُونِهِ، أَوْ سُكْرِهِ كَأَنَّهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَعَانَدَ بِالتَّرْكِ وَبِكُلِّ حَالٍ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الِاسْتِتَابَةَ وَاجِبَةٌ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: فَإِنْ قُتِلَ وَجَبَ الْقَوَدُ) هَلْ كَذَلِكَ مَا لَوْ قُتِلَ بِدُونِ تَوَعُّدِهِ فِي الْوَقْتِ فَيَجِبُ الْقَوَدُ أَوْ تَجِبُ الدِّيَةُ وَيُعَزَّرُ، وَلَعَلَّ الْوَجْهَ وُجُوبُ الْقَوَدِ لِعَدَمِ تَوَجُّهِ الْقَتْلِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَجَبَ الْقَوَدُ) سَيَأْتِي مَا فِيهِ. (قَوْلُهُ: بِتَرْكِ الْمَنْذُورَةِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ. (قَوْلُهُ: فَقَالَ صَلَّيْت فِي بَيْتِي إلَخْ) عِبَارَةُ الْعُبَابِ لَا إنْ قَالَ: صَلَّيْتُ فِي بَيْتِي وَأَمْكَنَ أَوْ سَأُصَلِّيهَا. اهـ. وَقَوْلُهُ: أَوْ سَأُصَلِّيهَا أَيْ: كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا. (قَوْلُهُ: يُقَالُ لَهُ) أَيْ: وُجُوبًا فِي الْعُذْرِ الْبَاطِلِ وَنَدْبًا فِي الصَّحِيحِ فِيمَا يَظْهَرُ قَالَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّهُ لَوْ قَالَ إلَى قَوْلِهِ: قُتِلَ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُمِرَ بِهَا عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْأَمْرِ بِهَا عِنْدَ الضِّيقِ لِيَتَحَقَّقَ خِيَانَتَهُ، وَهَذَا تَحَقَّقَتْ خِيَانَتُهُ بِاعْتِرَافِهِ وَيَحْتَمِلُ تَقْيِيدَهُ بِمَا إذَا كَانَ أُمِرَ بِهَا عِنْدَ الضِّيقِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْوَجْهُ الْمُوَافِقُ لِظَاهِرِ عِبَارَةِ الْمَجْمُوعِ وَلِلْمَعْنَى وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ حَيْثُ اشْتَرَطْنَا - فِي غَيْرِ ذَلِكَ - أَمْرَهُ وَتَهْدِيدَهُ فِي الْوَقْتِ لَا فَرْقَ بَيْنَ صُدُورِهِمَا مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَوْ مِنْ الْآحَادِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّهُ لَوْ قَالَ إلَخْ) هَذَا مَا وَعَدَهُ آنِفًا بِرّ. (قَوْلُهُ: فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ) أَيْ: أَمَّا إذَا كَانَ قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ فَلَا وَجْهَ لِضَمَانِهِ مُطْلَقًا فَضْلًا عَنْ وُجُوبِ الْقَوَدِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُهْدَرًا فَلْيُتَأَمَّلْ
[حاشية الشربيني]
وُجُوبُ الِاسْتِتَابَةِ وَالْإِمْهَالِ لَيْسَ وُجُوبَ الشُّرُوطِ فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ وُجُوبَهَا وُجُوبُ الشُّرُوطِ فَلَا يَنْبَغِي إلَّا الضَّمَانُ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ النَّدْبِ فَلَيْسَ إلَّا الْإِثْمُ لِلِافْتِيَاتِ كَذَا قَرَّرَهُ الْقُوَيْسَنِيُّ وَالْمَرْصَفِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِثْمَ يَكُونُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لِتَفْوِيتِ الْوَاجِبِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: أَثِمَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الِاسْتِتَابَةِ وَالْإِمْهَالِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ مَعَ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْإِمْهَالِ وَفِي ح ل عَلَى الْمَنْهَجِ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ فِي مُدَّةِ الِاسْتِتَابَةِ أَوْ قَبْلَهَا وَقُلْنَا بِوُجُوبِ ذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي إلَّا الضَّمَانُ. اهـ. أَيْ إنْ قُلْنَا: إنَّ ذَلِكَ وَجَبَ وُجُوبَ الشُّرُوطِ لَكِنْ يُخَالِفُهُ كَلَامُ سم السَّابِقُ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: فَقَالَ: صَلَّيْتُ) وَإِنْ تَحَقَّقْنَا كَذِبَهُ لِاحْتِمَالِ طُرُوُّ حَالَةٍ تُجَوِّزُ الصَّلَاةَ بِالْإِيمَاءِ. اهـ. ح ل. (قَوْلُهُ: صَحِيحَةً إلَخْ) وَإِنْ ظُنَّ كَذِبُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا عُلِمَ. اهـ. بَعْضُ الْحَوَاشِي. (قَوْلُهُ: صَحِيحَةً كَانَتْ الْأَعْذَارُ) كَالنِّسْيَانِ وَقَوْلُهُ: أَوْ بَاطِلَةً كَالتَّرْكِ لِلْبَرْدِ أَوْ عَدَمِ الْمَاءِ أَوْ النَّجَاسَةِ شَرْحُ الرَّوْضِ.
(قَوْلُهُ: تَعَمُّدُهُ تَأْخِيرَهَا إلَخْ) أَيْ: بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْحُ الرَّوْضِ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ نَأْمُرَهُ بِهَا بَعْدَ ذِكْرِ الْعُذْرِ وُجُوبًا فِي الْعُذْرِ الْبَاطِلِ وَنَدْبًا فِي الصَّحِيحِ فِيمَا يَظْهَرُ بِأَنْ نَقُولَ لَهُ: صَلِّ فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يُقْتَلْ لِذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: تَرَكْتُهَا بِلَا عُذْرٍ إلَخْ) أَيْ: وَلَمْ يُؤْمَرْ أَوْ يُتَوَعَّدْ عَلَيْهَا قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا، وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ لِقَوْلِهِ: تَرَكَهَا بِلَا عُذْرٍ وَلَا خِلَافَ فِي قَتْلِهِ بَيْنَ الْمَذْهَبِ وَمُقَابِلِهِ بَلْ لَا حَاجَةَ لِذِكْرِهَا؛ لِأَنَّهَا مَوْضُوعُ الْبَابِ فَقَوْلُ م ر فِيهَا: يُقْتَلُ وَإِنْ لَمْ يُطْلَبْ مِنْهُ فِعْلُهَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِصَرِيحِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَكَوْنُهُ ضَعِيفًا أَوْ قَوِيًّا شَيْءٌ آخَرُ، فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: قُتِلَ) أَيْ: إنْ طُلِبَ مِنْهُ فِعْلُهَا فِي الْوَقْتِ كَمَا قَالَهُ حَجَرٌ وَاعْتَمَدَهُ ع ش وَقَالَ م ر: يُقْتَلُ وَإِنْ لَمْ يُطْلَبْ مِنْهُ فِعْلُهَا فِي الْوَقْتِ لِتَحَقُّقِ جِنَايَتِهِ. اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ بِزِيَادَةٍ.
(قَوْلُهُ: فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ إلَخْ) بِأَنْ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ الْقَتْلُ أَصْلًا أَوْ تَوَجَّهَ وَلَمْ يُعَانَدُ بِأَنْ صَلَّى بِالْفِعْلِ الصَّلَاةَ الْمَتْرُوكَةَ فَإِنَّ تَوْبَتَهُ إنَّمَا تَحْصُلُ بِفِعْلِهَا عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ أَوْ وَعَدَ بِفِعْلِهَا كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْعُبَابِ. اهـ. جَمَلٌ فَمَتَى لَمْ يَفْعَلْ وَلَمْ يَقُلْ يُقَالُ: إنَّهُ عَانَدَ بِالتَّرْكِ. (قَوْلُهُ: وَعَانَدَ إلَخْ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا قَالَ: أُصَلِّي بَعْدَ. (قَوْلُهُ: أَيْضًا وَعَانَدَ) يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَلَمْ يُعَانِدْ بِأَنْ لَمْ يُسْتَتَبْ أَصْلًا أَوْ أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقُتِلَ فِيهَا يُقْتَلُ قَاتِلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِتَوَجُّهِ الْقَتْلِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَبِكُلِّ حَالٍ فِيهِ دَلَالَةٌ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَوَدِ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ اسْتِتَابَتِهِ فَيُفِيدُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الشُّرُوطِ وَهَذَا يُنَافِي قَوْلَهُ سَابِقًا فَإِنْ أَصَرَّ وَأَخْرَجَهَا اسْتَحَقَّ الْقَتْلَ فَيُسْتَتَابُ؛ لِأَنَّهُ مَعَ اسْتِحْقَاقِ الْقَتْلِ قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ لَا وَجْهَ لِوُجُوبِهَا فِي اسْتِحْقَاقِهِ وَالْوَجْهُ حَمْلُ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا جُنَّ أَوْ سَكِرَ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الضَّرُورَةِ فَلْيُحَرَّرْ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَإِنَّمَا يُقْتَلُ بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ وَعَبَّارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ: ثُمَّ يُضْرَبُ عُنُقُهُ أَيْ: مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فِي ذَلِكَ لَا غَيْرِهِمَا وَلَوْ مِنْ أَهْلِ السَّطْوَةِ فَإِنْ قَتَلَهُ غَيْرُهُمَا بَعْدَ الْأَمْرِ وَلَوْ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَلَيْسَ مِثْلُهُ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ إلَّا إنْ قَتَلَهُ فِي حَالَةِ جُنُونِهِ أَوْ سُكْرِهِ اهـ.
وَهُوَ زَائِدُ الْإِشْكَالِ وَقَدْ أَشَارَ سم فِي حَاشِيَةِ التُّحْفَةِ إلَى عَدَمِ اسْتِقَامَةِ قَوْلِ الشَّارِحِ هُنَا وَبِكُلِّ حَالٍ فِيهِ دَلَالَةٌ إلَخْ حَيْثُ نَقَلَهُ، ثُمَّ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ فِي مُدَّةِ الِاسْتِتَابَةِ ظَاهِرُهُ عَدَمُ الضَّمَانِ وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ التَّوْبَة الَّذِي هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْقَتْلَ فَهُوَ مُهْدَرٌ بِالنِّسْبَةِ لِقَاتِلِهِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ مِثْلُهُ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute