للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَوَجْهِهِ وَأَخْمَصَاهُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا وَضَمِّهَا (لِقِبْلَةٍ) بِرَفْعِ رَأْسِهِ قَلِيلًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُمْكِنُ وَيَدُلُّ لِتَوْجِيهِهِ الْقِبْلَةَ مَعَ مَا مَرَّ الْإِجْمَاعُ وَأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ سَأَلَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ فَقَالُوا: تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ وَأَوْصَى بِثُلُثِهِ لَكَ وَبِأَنْ يُوَجَّهُ لِلْقِبْلَةِ إذَا اُحْتُضِرَ فَقَالَ: أَصَابَ الْفِطْرَةَ وَقَدْ رَدَدْت ثُلُثَهُ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ ذَهَبَ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَأَدْخِلْهُ جَنَّتَكَ، وَقَدْ فَعَلْت» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَالْأَخْمَصَانِ هُنَا أَسْفَلُ الرِّجْلَيْنِ وَحَقِيقَتُهُمَا الْمُنْخَفَضُ مِنْ أَسْفَلِهِمَا قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ.

(وَعِنْدَهُ يس تُتْلَى) نَدْبًا لِخَبَرِ «اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يَاسِينَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ: الْمُرَادُ بِهِ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ يَعْنِي مُقَدِّمَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ وَفِي رُبَاعِيَّاتِ أَبِي بَكْرٍ الشَّافِعِيِّ مَا مِنْ مَرِيضٍ يُقْرَأُ عِنْدَهُ يس إلَّا مَاتَ رَيَّانًا وَأُدْخِلَ قَبْرَهُ رَيَّانًا وَحُشِرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَيَّانًا قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ غَرِيبٌ بِمَرَّةَ قَالَ الْجَارْبُرْدِيُّ وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي قِرَاءَتِهَا أَنَّ أَحْوَالَ الْقِيَامَةِ وَالْبَعْثِ مَذْكُورَةٌ فِيهَا فَإِذَا قُرِئَتْ عَلَيْهِ تَجَدَّدَ لَهُ ذِكْرُ تِلْكَ الْأَحْوَالِ وَزَادَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا قِرَاءَةَ الرَّعْدِ لِقَوْلِ جَابِرٍ فَإِنَّهَا تُهَوِّنُ عَلَيْهِ خُرُوجَ الرُّوحِ.

(وَبِالشَّهَادَةِ التَّلْقِينُ) أَيْ: وَيُسَنُّ تَلْقِينُهُ الشَّهَادَةَ أَيْ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: أَيْ: مِنْ قُرْبِ مَوْتِهِ وَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا يَصِيرُ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: ٣٦] وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» وَنَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُلَقَّنُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ التَّوْحِيدُ قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَلِأَنَّ هَذَا مُوَحِّدٌ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ مَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَافِرًا لُقِّنَ الشَّهَادَتَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُسَنُّ أَنْ يُلَقِّنَهُ غَيْرُ الْوَرَثَةِ؛ لِئَلَّا يَتَّهِمَهُمْ بِاسْتِعْجَالِ الْإِرْثِ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ غَيْرُهُمْ فَأَشْفَقُهُمْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُلَقِّنَهُ مَنْ يَتَّهِمُهُ مُطْلَقًا؛ لِيَعُمَّ الْوَارِثَ وَالْحَاسِدَ وَالْعَدُوَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ إنْ كَانَ ثَمَّ غَيْرُهُ، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُلَقِّنُهُ وَإِنْ اتَّهَمَهُ وَلَا يُوَاجِهُهُ بِالشَّهَادَةِ بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِهَا، بَلْ يَذْكُرُهَا بِحَضْرَتِهِ لِيَتَذَكَّرَ، أَوْ يَقُولَ ذِكْرُ اللَّهِ مُبَارَكٌ فَنَذْكُرُ اللَّهَ جَمِيعًا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا يُلِحُّ عَلَيْهِ وَلَا يُعِيدُهَا عَلَيْهِ إذَا نَطَقَ بِهَا حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِغَيْرِهَا وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ تَلْقِينِهِ عَلَى تَوْجِيهِهِ الْقِبْلَةَ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْفِرْكَاحِ: إنْ أَمْكَنَ جَمْعُهُمَا فُعِلَا مَعًا، وَإِلَّا قُدِّمَ التَّلْقِينُ وَكَلَامُهُمْ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ) يُحْتَمَلُ أَنَّ وَجْهَ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَى الْقَبْرِ تَقْتَضِي كَوْنَهُ ذَا إدْرَاكٍ وَسَمَاعٍ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَهَذَا قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ فَلَا يَرُدُّ أَنَّ الْمَيِّتَ يَنْتَفِعُ بِالْقِرَاءَةِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ آخَرُ لَا يُنَافِي مَا قُلْنَاهُ خِلَافًا لِمَا تُوُهِّمَ. (قَوْلُهُ: مَا مِنْ مَرِيضٍ إلَخْ) هَذَا يُؤَيِّدُ التَّأْوِيلَ السَّابِقَ.

(قَوْلُهُ: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ» إلَخْ) هَلْ يَخْتَصُّ بِغَيْرِ نَحْوِ الْمُصِرِّ عَلَى مَعْصِيَةٍ. (قَوْلُهُ: دَخَلَ الْجَنَّةَ) أَيْ: مَعَ الْفَائِزِينَ، وَإِلَّا فَكُلُّ مُسْلِمٍ وَلَوْ مُذْنِبًا مَا لَهُ لَهَا وَلَوْ عُذِّبَ وَطَالَ عَذَابُهُ. (قَوْلُهُ: لُقِّنَ الشَّهَادَتَيْنِ) بَلْ يُتَّجَهُ وُجُوبُ هَذَا التَّلْقِينِ إذَا رُجِيَ إجَابَتُهُ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: لُقِّنَ الشَّهَادَتَيْنِ) أَيْ: مَعَ لَفْظِ أَشْهَدُ بِنَاءً عَلَى تَوَقُّفِ صِحَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) قَدْ يَقْتَضِي هَذَا التَّمْثِيلُ أَنَّ إتْيَانَ الْمَرِيضِ بِهَذَا الْمِثَالِ لَا يَمْنَعُ أَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مَعَ تَأَخُّرِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ عَنْهَا

ــ

[حاشية الشربيني]

اسْتِقْبَالِهَا أَوَّلًا وَلَعَلَّهَا اسْتَقْبَلَتْ قَاعِدَةً أَوَّلًا حَرِّرْهُ. (قَوْلُهُ: وَأَخْمَصَاهُ) الْأَخْمَصُ مَا ارْتَفَعَ عَنْ الْأَرْضِ مِنْ بَاطِنِ الرِّجْلِ يُقَالُ: خَمِصَ الْقَدَمُ مِنْ بَابِ تَعِبَ فَالرَّجُلُ أَخَمَصُ الْقَدَمِ وَالْمِرْأَةُ خَمْصَاءُ وَالْجَمْعُ خُمْصٌ، كَأَحْمَرَ وَحَمْرَاءَ وَحُمْرٍ؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ فَإِذَا جَمَعْتَ الْقَدَمَ نَفْسَهَا قُلْتَ: الْأَخَامِصُ مِثْلُ الْأَفَاضِلِ إجْرَاءً لَهُ مُجْرَى الْأَسْمَاءِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْقَدَمِ خُمْصٌ فَهِيَ " رَحَّاءُ " بِرَاءٍ وَحَاءٍ مُشَدَّدَةٍ مَعَ الْمَدِّ. اهـ. مِصْبَاحٌ لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا أَسْفَلُ الْقَدَمَيْنِ مُطْلَقًا.

(قَوْلُهُ: لَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ) بَلْ يُقْرَأُ عِنْدَهُ. (قَوْلُهُ: رَيَّانُ) بِالصَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ فَعْلَانُ فَعْلَانَةُ لَا فَعْلَانُ فَعْلَى. (قَوْلُهُ: بِمَرَّةٍ) الْمَرَّةُ الْفَعْلَةُ الْوَاحِدَةُ. اهـ. قَامُوسٌ أَيْ: أَقُولُ ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِ جَابِرٍ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهَا تُقْرَأُ سِرًّا لِئَلَّا يَزْدَادَ أَلَمُهُ وَإِنْ أَمَرَهُ الْمَيِّتُ بِقِرَاءَتِهَا جَهْرًا. (تَنْبِيهٌ) قَدْ دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ عَلَى أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَحْضُرُ مَوْتَ كُلِّ مُؤْمِنٍ. اهـ. جَمَلٌ وَلْيَنْظُرْ كَيْفِيَّةَ حُضُورِهِ فِيمَا إذَا مَاتَ اثْنَانِ مَثَلًا أَحَدُهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَالْآخَرُ بِالْمَغْرِبِ فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ.

(قَوْلُهُ: قَالَ «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ» ) يُفِيدُ وُجُوبَ التَّلْقِينِ وَنَقَلَهُ النَّاشِرِيُّ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ التَّوْحِيدُ) يُفِيدُ أَنَّ التَّوْحِيدَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى لَفْظِ " أَشْهَدَ " وَهُوَ قَوْلٌ. (قَوْلُهُ: لُقِّنَ الشَّهَادَتَيْنِ) أَيْ: وُجُوبًا إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ إلَخْ) لَوْ حَضَرَ الْحَاسِدُ وَالْعَدُوُّ فَقَطْ لَقَّنَهُ الْحَاسِدُ لِقِلَّةِ عَدَاوَتِهِ بَلْ قَدْ يُقَدَّمُ الْآنَ مَعَ الْحَاسِدِ. اهـ. شَيْخُنَا مَرْصَفِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِالشَّهَادَةِ) أَيْ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَمَّا لَفْظُ أَشْهَدُ فَذِكْرُهُ مَكْرُوهٌ فِي هَذَا الْوَقْتِ ع ش. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَتَكَلَّمَ) أَيْ: الْمُحْتَضَرُ فَإِنْ تَكَلَّمَ أَعَادَهَا لَكِنْ بَعْدَ سَكْتَةٍ يَسِيرَةٍ وَالْكَلَامُ يَعُمُّ النَّفْسِيَّ إنْ دَلَّتْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ وَالذِّكْرَ وَغَيْرَهُ. اهـ. جَمَلٌ. (قَوْلُهُ: الْفِرْكَاحِ) هُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ تَاجُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إبْرَاهِيمَ تَفَقَّهَ عَلَى ابْنِ الصَّلَاحِ وَسَمِعَ مِنْ ابْنِ السُّنِّيِّ وَغَيْرِهِ. اهـ. جَمَلٌ وَكَانَ شَامِيًّا مُعَاصِرًا لِلشَّيْخِ النَّوَوِيِّ وَكَانَ يُسَمِّيهِ الْفَلَّاحَ. (قَوْلُهُ: قُدِّمَ التَّلْقِينُ) ظَاهِرُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>