يَشْمَلُ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ فَيُسَنُّ تَلْقِينُهُمَا وَهُوَ قَرِيبٌ فِي الْمُمَيِّزِ.
(وَظَنَّهُ يُحْسِنُ فِي مَوْلَاهُ) أَيْ: وَيُسَنُّ لِلْمُحْتَضَرِ يَعْنِي الْمَرِيضَ أَنْ يُحْسِنَ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى» أَيْ: يَظُنُّ أَنَّهُ يَرْحَمُهُ وَيَعْفُو عَنْهُ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» وَيُنْدَبُ لِمَنْ عِنْدَهُ تَحْسِينُ ظَنِّهِ وَتَطْمِيعُهُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، أَمَّا الصَّحِيحُ فَقِيلَ: الْأَوْلَى لَهُ تَغْلِيبُ خَوْفِهِ عَلَى رَجَائِهِ وَالْأَظْهَرُ فِي الْمَجْمُوعِ اسْتِوَاؤُهُمَا إذْ الْغَالِبُ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مَعًا كَقَوْلِهِ {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: ١٠٦] {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: ١٣] {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: ١٤] وَفِي الْإِحْيَاءِ إنْ غَلَبَ عَلَيْهِ دَاءُ الْقُنُوطِ فَالرَّجَاءُ أَوْلَى، أَوْ دَاءُ أَمْنِ الْمَكْرِ فَالْخَوْفُ أَوْلَى وَيُكْرَهُ تَمَنِّي الْمَوْتِ لَا لِخَوْفِ فِتْنَةِ دِينٍ فَإِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ: «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي مَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي» وَيُنْدَبُ طَلَبُ الْمَوْتِ بِبَلَدٍ شَرِيفٍ وَعَدَمُ إكْرَاهِ الْمَرِيضِ عَلَى الدَّوَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الطَّعَامِ وَطَلَبُ الدُّعَاءِ مِنْهُ وَوَعْظُهُ بَعْدَ عَافِيَتِهِ وَتَذْكِيرُهُ الْوَفَاءَ بِمَا عَاهَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ مِنْ الْخَيْرَاتِ.
(وَغُمِّضَتْ) نَدْبًا (إذَا قَضَى) أَيْ: مَاتَ (عَيْنَاهُ) لِئَلَّا يَقْبُحَ مَنْظَرُهُ وَرَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ، وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ أَيْ: ذَهَبَ أَوْ شَخَصَ نَاظِرًا إلَيْهَا أَيْنَ تَذْهَبُ» وَعَلَى الثَّانِي اقْتَصَرَ النَّوَوِيُّ وَقُبِضَ أُخْرِجَ مِنْ الْجَسَدِ وَشَقَّ بَصَرُهُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَضَمِّ الرَّاءِ شَخَصَ وَالرُّوحُ جِسْمٌ لَطِيفٌ وَهُوَ بَاقٍ لَا يَفْنَى عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وقَوْله تَعَالَى {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: ٤٢] تَقْدِيرُهُ: حِينَ مَوْتِ أَجْسَادِهَا وَيُسْتَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ إغْمَاضِهِ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَأَنْ يَقُولَ إذَا حَمَلَهُ: بِسْمِ اللَّهِ، ثُمَّ يُسَبِّحُ مَا دَامَ يَحْمِلُهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.
(وَشُدَّ) نَدْبًا (فِي عِصَابَةٍ لَحْيَاهُ) أَيْ: بِعِصَابَةٍ عَرِيضَةٍ تَجْمَعُ لَحْيَيْهِ وَتُرْبَطُ فَوْقَ رَأْسِهِ، كَمَا قَالَ (قُلْتُ يَكُونُ رَبْطُهَا أَعْلَاهُ) حِفْظًا لِفَمِهِ عَنْ الْهَوَامِّ وَقُبْحِ مَنْظَرِهِ.
(وَلُيِّنَتْ) نَدْبًا (مَفَاصِل) لَهُ (بِالرَّدِّ وَالْمَدِّ) فَيُلَيَّنُ أَصَابِعُهُ وَيُرَدُّ سَاعِدُهُ إلَى عَضُدِهِ وَسَاقُهُ إلَى فَخِذِهِ وَفَخِذُهُ إلَى بَطْنِهِ ثُمَّ يَمُدُّهَا تَسْهِيلًا لِغَسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ فَإِنَّ فِي الْبَدَنِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الرُّوحِ بَقِيَّةَ حَرَارَةٍ فَإِذَا لُيِّنَتْ الْمَفَاصِلُ حِينَئِذٍ لَانَتْ وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ تَلْيِينُهَا بَعْدُ.
(وَ) يُسَنُّ (السَّتْرُ) لِجَمِيعِ بَدَنِهِ (بِثَوْبٍ فَرْدِ) خَفِيفٍ بَعْدَ نَزْعِ ثِيَابِهِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَهُوَ قَرِيبٌ فِي الْمُمَيِّزِ) لَا يَبْعُدُ أَنَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ كَذَلِكَ حَيْثُ أَمْكَنَ. (قَوْلُهُ: فَيُسَنُّ تَلْقِينُهُمَا) بِخِلَافِ تَلْقِينِهِمَا بَعْدَ الدَّفْنِ.
(قَوْلُهُ: يَعْنِي الْمَرِيضَ) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى حَالَةِ الِاحْتِضَارِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَجْمُوعِ اسْتِوَاؤُهُمَا) هَذَا بِظَاهِرِهِ يُخَالِفُ كَلَامَ الْأَحْيَاءِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْأَحْيَاءِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: لَا حَاجَةَ لِهَذَا التَّفْصِيلِ بَلْ يَكْفِي الِاسْتِوَاءُ لِزَوَالِ الْمَحْذُورِ مَعَهُ. (قَوْلُهُ: الْقُنُوطِ فَالرَّجَاءُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: كُلٌّ مِنْ الْقُنُوطِ وَأَمْنِ الْمَكْرِ كَبِيرَةٌ يَجِبُ الْخُرُوجُ مِنْهُ فَهَلَّا وَجَبَ الرَّجَاءُ فِي الْأَوَّلِ، وَالْخَوْفُ فِي الثَّانِي إذَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ عَدَمُ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَغُمِّضَتْ إلَخْ) . (فَرْعٌ) هَلْ يُغَمَّضُ الْأَعْمَى إذَا تَيَسَّرَ إطْبَاقُ جَفْنَيْهِ الْوَجْهُ نَدْبُ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ أَنَّهُ يَقْبُحُ مَنْظَرُهُ خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ عِلَّةُ طَلَبِ التَّغْمِيضِ بَلْ بَيَانٌ لِسَبَبِ انْفِتَاحِ الْعَيْنِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بَقَاؤُهَا مَفْتُوحَةً، فَيَحْتَاجُ إلَى التَّغْمِيضِ لِدَفْعِ قُبْحِ الْمَنْظَرِ، وَالْقُبْحُ الْمَذْكُورُ يَتَحَقَّقُ فِي الْأَعْمَى فَيُطْلَبُ تَغْمِيضُهُ بِمَعْنَى الْتِقَاءِ أَحَدِ الْجَفْنَيْنِ بِالْآخَرِ لِيَنْدَفِعَ ذَلِكَ الْقُبْحُ. (قَوْلُهُ: نَاظِرًا إلَخْ) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا أَحَسَّ بِخُرُوجِ الرُّوحِ عِنْدَ أَخْذِهَا فِي الْخُرُوجِ فَتَحَ بَصَرَهُ يَنْظُرُ إلَيْهَا أَيْنَ تَذْهَبُ. (قَوْلُهُ: شَخَصَ) لَعَلَّ الشَّاخِصَ مَحَلُّهُ.
ــ
[حاشية الشربيني]
وَلَوْ ظُنَّ حَيَاتُهُ بَعْدَ التَّوْجِيهِ مُدَّةً تَسَعُ التَّلْقِينَ وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ التَّوْجِيهِ حِينَئِذٍ وَتَأْخِيرُ التَّلْقِينِ لِيَكُونَ أَقْرَبَ لِمَوْتِهِ. اهـ. جَمَلٌ. (قَوْلُهُ: يَشْمَلُ الصَّبِيَّ) قَالَ م ر: تَلْقِينُهُ سُنَّةً، وَأَمَّا التَّلْقِينُ بَعْدَ الدَّفْنِ فَلَا يُسَنُّ فِيهِ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يُفْتَنُ وَمِثْلُهُ مَجْنُونٌ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ تَكْلِيفٌ. اهـ. سم
(قَوْلُهُ: وَيُنْدَبُ لِمَنْ عِنْدَهُ إلَخْ) أَيْ: مَا لَمْ يَرَ مِنْهُ الْيَأْسَ، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ بَذْلًا لِلنَّصِيحَةِ اهـ وَحَكَاهُ ق ل بِقِيلَ ثُمَّ رَأَيْت م ر اسْتَوْجَهَ الْوُجُوبَ. (قَوْلُهُ: فَالرَّجَاءُ أَوْلَى) اعْتَمَدَ م ر الِاسْتِوَاءَ فَإِنْ قُلْتَ: أَفْضَلِيَّةُ الِاسْتِوَاءِ تَقْتَضِي جَوَازَ الْخَوْفِ الْمَحْضِ الْمُؤَدِّي إلَى الْيَأْسِ أَوْ الرَّجَاءِ الْمَحْضِ الْمُؤَدِّي إلَى الْأَمْنِ وَكُلٌّ كَبِيرَةٌ قُلْت: الِاقْتِضَاءُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الِاسْتِوَاءِ لَا يَنْحَصِرُ فِي تَمَحَّضَ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ سم. (قَوْلُهُ: أَوْلَى) أَيْ: لِانْدِفَاعِ الْقُنُوطِ وَأَمْنِ الْمَكْرِ بِالِاسْتِوَاءِ نَعَمْ إنْ تَوَقَّفَ عَدَمُ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ تَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: «إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ» إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: إنَّ الْبَصَرَ إنَّمَا يُبْصِرُ مَا دَامَ الرُّوحُ فِي الْبَدَنِ فَإِذَا فَارَقَهُ تَعَطَّلَ الْإِحْسَاسُ وَاَلَّذِي ظَهَرَ - بَعْدَ النَّظَرِ ثَلَاثِينَ سَنَةً - أَنْ يُجَابَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ خُرُوجِ الرُّوحِ مِنْ أَكْثَرِ الْبَدَنِ وَهِيَ بَعْدُ بَاقِيَةٌ فِي الرَّأْسِ وَالْعَيْنَيْنِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْفَمِ أَكْثَرُهَا وَلَمْ تَنْتَهِ كُلُّهَا نَظَرَ الْبَصَرُ إلَى الْقَدْرِ الَّذِي خَرَجَ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الرُّوحَ عَلَى مِثَالِ الْبَدَنِ وَقَدْرِ أَعْضَائِهِ فَإِذَا خَرَجَ بَقِيَّتُهَا مِنْ الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ سَكَنَ النَّظَرُ فَيَكُونُ مَعْنَى " قُبِضَ " شُرِعَ فِي قَبْضِهِ وَلَمْ يَنْتَهِ قَبْضُهُ، الثَّانِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ كَثِيرُونَ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الرُّوحَ لَهَا اتِّصَالٌ بِالْبَدَنِ وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَةً فَيَرَى وَيَعْلَمُ وَيَسْمَعُ وَيَرُدُّ السَّلَامَ وَيَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. سُيُوطِيٌّ. اهـ. جَمَلٌ عَنْ هَامِشِ نُسْخَةِ ع ش. (قَوْلُهُ: وَهُوَ بَاقٍ لَا يَفْنَى) وَكَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ خَلْقِ الْجَسَدِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْعَقَائِدِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر
(قَوْلُهُ: وَسُنَّ إلَخْ) أَيْ: إنْ لَمْ يُخَفْ تَنَجُّسُهُ، وَإِلَّا وَجَبَ ق ل