للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَتْبَعَ الْمُسْلِمُ جِنَازَةَ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ وَيُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ اتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ «نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْنَا» .

(ثُمَّ عَلَى الْمُسْلِمِ صَلَّى) أَيْ: ثُمَّ بَعْدَ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ صَلَّى مَنْ حَضَرَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ أَمَّا الْكَافِرُ وَلَوْ ذِمِّيًّا فَتَحْرُمُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: ٨٤] وَتَقْدِيمُ الْغُسْلِ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي التَّيَمُّمِ بِأَنَّ وَقْتَهَا يَدْخُلُ بِالْغُسْلِ وَهُنَا بِثُمَّ حَتَّى لَوْ تَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ مِنْ رَدْمٍ، أَوْ نَحْوِهِ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ لَكِنْ مَا هُنَا يُوهِمُ شَرْطِيَّةَ تَقْدِيمِ التَّكْفِينِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ سُنَّةٌ لَكِنْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، فَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى مَا فِي التَّيَمُّمِ ثُمَّ قَضِيَّةُ مَا فِي الرَّوْضَةِ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِدُونِ سَتْرِ عَوْرَتِهِ وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ مَا وَجَّهُوا بِهِ اشْتِرَاطَ تَقْدِيمِ الْغُسْلِ مِنْ أَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَصْحَابِهِ وَمِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ كَصَلَاتِهِ نَفْسِهِ مَوْجُودٌ هُنَا وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّكْفِينَ أَوْسَعُ بَابًا مِنْ الْغُسْلِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ يُنْبَشُ قَبْرُهُ؛ لِيُغَسَّلَ بِخِلَافِ مَنْ دُفِنَ بِلَا تَكْفِينٍ وَإِنَّ مَنْ صَلَّى بِلَا طُهْرٍ لِعَجْزِهِ عَمَّا يَتَطَهَّرُ بِهِ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بِخِلَافِ مَنْ صَلَّى مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ لِعَجْزِهِ عَمَّا يَسْتُرُهَا بِهِ

(إلَّا) الشَّهِيدَ وَهُوَ هُنَا (مَنْ مَاتَ) وَلَوْ امْرَأَةً، أَوْ رَقِيقًا أَوْ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا (فِي وَقْتِ قِتَالِ حَلَّلُوا) أَيْ: حَلَّلَهُ الْعُلَمَاءُ (مِنْ كَافِرٍ) أَيْ: مَاتَ فِي وَقْتِ قِتَالِهِ لِكَافِرٍ وَلَوْ وَاحِدًا (بِهِ) أَيْ: بِسَبَبِ الْقِتَالِ كَأَنْ قَتَلَهُ كَافِرٌ، أَوْ أَصَابَهُ سِلَاحُ مُسْلِمٍ خَطَأً، أَوْ عَادَ إلَيْهِ سِلَاحُهُ، أَوْ تَرَدَّى فِي حَمْلَتِهِ فِي وَهْدَةٍ، أَوْ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ، أَوْ رَمَحَتْهُ دَابَّةٌ فَمَاتَ، أَوْ وُجِدَ قَتِيلًا عِنْدَ انْكِشَافِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ مَوْتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَثَرُ دَمٍ فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ.

(وَلَا يُغَسَّلُ حَتَّى الَّذِي أَجْنَبَ) ، أَوْ حَاضَ أَوْ نَفِسَ أَيْ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ» وَفِي لَفْظٍ لَهُ «وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ» بِفَتْحِ اللَّازِمِ وَلِخَبَرِ أَحْمَدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَا تُغَسِّلُوهُمْ فَإِنَّ كُلَّ

ــ

[حاشية العبادي]

آبَاؤُهُ فِيهِمْ إلَى آدَمَ اهـ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الظَّنِّ تَبَعًا لِلْجَوَاهِرِ فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ الْوَجْهُ مَنْعُهُ أَيْ: فَيَجُوزُ الدُّعَاءُ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ وَقَدْ رَدَّهُ الشِّهَابُ فِي شَرْحِهِ ثُمَّ قَالَ فِي الْعُبَابِ:. (فَرْعٌ) لَوْ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَانِ بِإِسْلَامِ مَيِّتٍ وَكُفْرِهِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَيُدْعَى لَهُ كَمَا مَرَّ أَيْ: إنْ كَانَ مُسْلِمًا كَمَا فِي شَرْحِهِ أَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ وَوَاحِدٌ فَلَا خِلَافَ لِلْمُتَوَلِّي. اهـ. وَفِي شَرْحِهِ كَلَامٌ يُرَاجَعُ.

(قَوْلُهُ: صَلَّى عَلَى مَنْ حَضَرَ) لَوْ كَانَ مَنْ حَضَرَ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ فَفِي صَلَاتِهِ عَلَيْهِ خِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مِنْ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا فِي التَّيَمُّمِ مِنْ تَوَقُّفِهَا عَلَى الْغُسْلِ دُونَ التَّكْفِينِ) كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ أَنَّ وَقْتَهَا يَدْخُلُ بِالْغُسْلِ. (قَوْلُهُ: وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّكْفِينَ أَوْسَعُ بَابًا إلَخْ) . (فَرْعٌ) لَوْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا قَالَ الدَّارِمِيُّ وَابْنُ الْأُسْتَاذِ: يُصَلَّى عَلَيْهِ بِرّ. (قَوْلُهُ: مَوْجُودٌ هُنَا) أَيْ: فِي سَتْرِ عَوْرَتِهِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ صَبِيًّا) يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْمُمَيَّزِ وَيُوَافِقُهُ أَوْ مَجْنُونًا. (قَوْلُهُ: فِي وَقْتِ قِتَالِهِ لِكَافِرٍ) يُمْكِنُ أَيْضًا أَنَّ التَّقْدِيرَ: قِتَالٌ صَادِرٌ مِنْ كَافِرٍ لَنَا قَالَ النَّاشِرِيُّ: وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ أَيْ: الْحَاوِي مَا لَوْ اسْتَعَانَ الْحَرْبِيُّونَ عَلَيْنَا بِبُغَاتِنَا فَقَتَلَ وَاحِدٌ مِنْ الْبُغَاةِ وَاحِدًا مِنَّا عَمْدًا لِأَنَّهُ مَاتَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى الْقَاتِلِ نَفْسِهِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَقُولُ: هَذَا الِاحْتِمَالُ يَرُدُّهُ قَوْلُهُمْ: مَنْ أَصَابَهُ سِلَاحُ مُسْلِمٍ خَطَأً أَوْ عَادَ إلَيْهِ سِلَاحُهُ أَوْ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ أَوْ رَمَحَتْهُ دَابَّتُهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ إخْرَاجُ صُورَةٍ لَمْ أَرَهَا وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ انْجَلَتْ الْحَرْبُ وَوَلَّى الْمُشْرِكُونَ مُنْهَزِمِينَ انْهِزَامًا كُلِّيًّا فَتَبِعْنَاهُمْ لِاسْتِئْصَالِهِمْ فَكَّرَ بَعْضُهُمْ عَلَى مُسْلِمٍ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ وَهُوَ بَعِيدٌ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ: لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ عَاصِيًا بِالْخُرُوجِ فَفِيهِ نَظَرٌ عِنْدِي قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ شَهِيدٌ، أَمَّا لَوْ كَانَ فَارًّا حَيْثُ لَا يَجُوزُ الْفِرَارُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَهِيدٍ فَإِنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَلَا يَلِيقُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنُونُ شَهِيدًا وَقَالَ السُّبْكِيُّ الْفَارُّ لَيْسَ بِشَهِيدٍ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ لَكِنَّهُ شَهِيدٌ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَأَطَالَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي جَوَابِ الْمَسَائِلِ الْحَلَبِيَّةِ فَلْيُنْظَرْ. اهـ. وَسَيَأْتِي جَزْمُ الشَّارِحِ بِمُوَافَقَةِ مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ فِي الْفَارِّ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: قِتَالُ الْكُفَّارِ يَشْمَلُ الْحَرْبِيِّينَ وَالْمُرْتَدِّينَ

ــ

[حاشية الشربيني]

الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبَحْرِ: قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: إنَّمَا تُرِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقِيَامُ لِلْجِنَازَةِ لِمَا أَخْبَرَ أَنَّ الْيَهُودَ تَفْعَلُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: قَرِيبُهُ) مِثْلُهُ الْمَمْلُوكُ وَالْجَارُ وَالزَّوْجَةُ الْكُفَّارُ، وَزِيَارَةُ الْقَبْرِ كَذَلِكَ لِلِاتِّعَاظِ وَخَرَجَ غَيْرُهُمْ مِنْ الْأَجَانِبِ فَيَحْرُمُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْظِيمِ. اهـ. مَرْصَفِيٌّ

(قَوْلُهُ: صَلَّى) قَالَ سم عَلَى أَبِي شُجَاعٍ: تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَلَا تُكْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ بَلْ هِيَ أَفْضَلُ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِيهِ عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ سَهْلٍ وَسُهَيْلٍ» وَقَدْ صَلَّتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى عُمَيْرٍ فِيهِ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَخَبَرِ «مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ» ضَعِيفٌ وَاَلَّذِي فِي الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُجَابُ إلَخْ) حَاصِلُهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالتَّكْفِينِ لَكِنْ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْكَفَنِ يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ. اهـ. يَعْنِي أَنَّ مُجَرَّدَ الْفَرْقِ غَيْرُ كَافٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>