بِخِلَافِ الْغُلَامَةِ لَا بُدَّ فِي بَوْلِهَا مِنْ الْغَسْلِ عَلَى الْأَصْلِ وَيَحْصُلُ بِالسَّيَلَانِ مَعَ الْغَمْرِ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «أُمِّ قَيْسٍ أَنَّهَا جَاءَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حِجْرِهِ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ» وَخَبَرُ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ إنَّهُ حَسَنٌ «يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ» وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الِابْتِلَاءَ بِحَمْلِ الْغُلَامِ أَكْثَرُ فَخُفِّفَ فِي بَوْلِهِ وَبَانَ بَوْلُهُ أَرَقَّ مِنْ بَوْلِهَا فَلَا يَلْصَقُ بِالْمَحَلِّ لُصُوقَ بَوْلِهَا بِهِ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ النَّظْمِ لِلشَّكِّ فِيمَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الرُّخْصَةُ. وَقَوْلُهُ: مَا طَعِمَ أَيْ: مَا تَنَاوَلَ غَيْرَ اللَّبَنِ لِلتَّغَذِّي كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فَلَا يَمْنَعُ الرَّشَّ تَحْنِيكُهُ بِتَمْرٍ وَنَحْوِهِ وَلَا تَنَاوُلُهُ السَّفُوفِ وَنَحْوِهِ لِلْإِصْلَاحِ وَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ إذْ الرَّضَاعُ بَعْدَهُمَا كَالطَّعَامِ كَمَا نُقِلَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَكَلَامُ النَّاظِمِ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ فِيهِ التَّثْلِيثُ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ رُخْصَةٌ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ تَوْجِيهُهُمْ السَّابِقُ فِي التَّثْلِيثِ فِي غَيْرِهِ وَتَصْرِيحُهُمْ بِذَلِكَ فِي النَّجَاسَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ وَأَنَّهُ يُكْتَفَى فِيهِ بِالرَّشِّ مَعَ بَقَاءِ أَوْصَافِهِ وَجَرَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ فِي اللَّوْنِ وَالرِّيحِ قَالَ: لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَكْتَفِ بِهِ لَأَوْجَبْنَا غَسْلَهُ انْتَهَى.
وَالْأَوْجَهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ سُهُولَةِ زَوَالِهَا وَعُلِمَ مِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى غَسْلِ الْجَامِدِ الْمُتَنَجِّسِ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ كَمَا سَيَجِيءُ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ حُكْمِيَّةٌ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَهَذَا نَقْلُ عَيْنٍ مُسْتَحِقَّةِ النَّقْلِ كَرَدِّ الْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَهَذَا مِنْ بَابِ التَّرْكِ كَتَرْكِ الزِّنَا وَالْغَصْبِ وَالصَّوْمِ لِكَوْنِهِ كَفًّا مَقْصُودًا لِقَمْعِ الشَّهْوَةِ، وَمُخَالَفَةُ الْهَوَى الْتَحَقَ بِالْفِعْلِ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَصْرُ وَلَا الْجَفَافُ وَلَا
ــ
[حاشية العبادي]
ظَاهِرًا م ر.
(قَوْلُهُ: غَيْرَ اللَّبَنِ) هَلْ يَلْحَقُ بِاللَّبَنِ مَا أُخِذَ مِنْهُ كَجُبْنٍ وَسَمْنٍ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَيُحْتَمَلُ الْإِلْحَاقُ. (قَوْلُهُ: تَحْنِيكُهُ إلَخْ) لَوْ تَنَاوَلَ بِنَفْسِهِ مَا لِلْإِصْلَاحِ أَوْ مَا لِلتَّغَذِّي فَيَنْبَغِي عَدَمُ اخْتِلَافِ الْحُكْمِ. (قَوْلُهُ: قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ) يَنْبَغِي أَوْ مَعَ التَّمَامِ بِأَنْ شَرِبَ اللَّبَنَ مَعَ التَّمَامِ وَنَزَلَ مِنْهُ الْبَوْلُ بَعْدَ التَّمَامِ. (قَوْلُهُ: يَقْتَضِي أَنَّهُ إلَخْ) حَيْثُ ذَكَرَ نَدْبَ التَّثْلِيثِ قَبْلَ ذِكْرِ هَذَا. (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ م ر. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ إلَخْ) رُبَّمَا تُوهِمُ عِبَارَتُهُ انْتِفَاءَ الْعِبَادَةِ عَنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهَا عِبَادَةٌ مِنْ بَابِ التُّرُوكَاتِ وَمَا قَبْلَهَا مِنْ بَابِ التَّحْصِيلَاتِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ كَذَا قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا نَقْلُ عَيْنٍ إلَخْ) اُنْظُرْ أَيَّ نَقْلٍ وَأَيَّ عَيْنٍ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ حُكْمِيَّةً.
[حاشية الشربيني]
فِي نَحْوِ الثَّوْبِ وَالْأَرْضِ التُّرَابِيَّةِ بَلْ وَالْآنِيَةِ وَلِذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: النَّضْحُ أَنْ يَغْمُرَهُ وَيُكَاثِرَهُ بِالْمَاءِ مُكَاثَرَةً لَا تَبْلُغُ جَرَيَانَهُ اهـ شَرْحُ الْعُبَابِ وم ر. (قَوْلُهُ: أَرَقُّ مِنْ بَوْلِهَا) لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى طَبِيعَةِ الْأُنْثَى مُحَاكَاةُ أَصْلِهَا الْأُنْثَى وَعَلَى الذَّكَرِ مُحَاكَاةُ أَصْلِهِ الذَّكَرِ وَلِذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِحَوَّاءَ لَمَّا أَكَلَتْ مِنْ الشَّجَرَةِ وَأَدَمْتهَا: لَأَنْ أَدْمَيْتهَا لَأَدْمَيْتُك وَبَنَاتَك إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَخَصَّ بَنَاتَهَا بِأَثَرِ جِنَايَتِهَا دُونَ أَوْلَادِهَا وَحَوَّاءُ خُلِقَتْ مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعِ آدَمَ الْقَصِيرِيِّ وَآدَمُ مِنْ مَاءٍ وَطِينٍ اهـ. شَرْحُ الْعُبَابِ.
(قَوْلُهُ: وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى) سَوَاءٌ بَالَ مِنْ فَرْجِ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ. اهـ. شَرْحُ عُبَابٍ عَنْ الْبَغَوِيّ. (قَوْلُهُ: مَا تَنَاوَلَ غَيْرَ اللَّبَنِ) وَلَوْ لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ اللَّبَنِ خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلْإِمَامِ النَّوَوِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. اهـ. إيعَابٌ. (قَوْلُهُ: لِلْإِصْلَاحِ) أَوْ التَّبَرُّكِ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَالْمَقْصُودُ الرَّدُّ عَلَى الرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ مَتَى تَنَاوَلَ شَيْئًا غَيْرَ اللَّبَنِ وَلَوْ لِلْإِصْلَاحِ وَجَبَ الْغَسْلُ إيعَابٌ. (قَوْلُهُ: قَبْلَ تَمَامِ إلَخْ) لِأَنَّهُ بَعْدَهُمَا تَقْوَى مَعِدَتُهُ عَلَى الِاسْتِحَالَةِ فَيَسْتَحِيلُ إحَالَةُ مَكْرُوهَةٍ قَالَهُ أَبُو شُكَيْلٍ إيعَابٌ. (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ رُخْصَةٌ) وَطَلَبُ التَّثْلِيثِ يُنَافِيهَا؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهَا التَّخْفِيفُ. (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ) لِأَنَّ الرُّخْصَةَ فِي تَرْكِ السَّيَلَانِ فَقَطْ وَهُوَ بَاقٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ يَكْفِي) أَفْهَمَ هَذَا حَيْثُ أَخَّرَهُ عَنْ بَقَاءِ تَرَاجُعِ الْعَيْنِ وَصِفَاتِهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ) حَيْثُ اكْتَفَوْا بِالرَّشِّ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا زَوَالَ الْأَوْصَافِ. (قَوْلُهُ: عَلَى غَسْلِ الْجَامِدِ) أَيْ: فِي قَوْلِهِ كَجَامِدٍ يُبْغَى غَسْلًا. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ) رَدٌّ عَلَى جَمْعٍ اشْتَرَطُوهَا وَمِنْهُمْ ابْنُ سُرَيْجٍ عَلَى نِزَاعٍ فِي نِسْبَتِهِ إلَيْهِ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ اهـ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ الْخُرُوجُ مِنْ خِلَافِهِ. اهـ. إيعَابٌ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ حُكْمِيَّةٌ) أَيْ: طَهَارَةُ الْحَدَثِ طَهَارَةٌ حُكْمِيَّةٌ وَهِيَ الَّتِي تَتَجَاوَزُ مَحَلَّ حُلُولِ مُوجِبِهَا شَرْحُ عُبَابٍ. (قَوْلُهُ: كَالزَّكَاةِ إلَخْ) فَإِنَّهُمَا طَهَارَتَانِ حُكْمِيَّتَانِ لِلْمَالِ وَالْبَدَنِ. (قَوْلُهُ: لَا يُشْتَرَطُ الْعَصْرُ) سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا لَهُ خَمْلٌ أَيْ: وَبَرٌ كَالْبِسَاطِ وَمَا لَا خَمْلَ لَهُ فَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ طُبِخَ لَحْمٌ بِمَاءٍ نَجِسٍ نَجِسَ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ ويَكْفِي غَسْلُهُ وَيُعْصَرُ كَالْبِسَاطِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ أَوْ الضَّعِيفِ وَتَوْجِيهُ الْقَمُولِيِّ بِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَدْخُلُ فِي بَاطِنِ اللَّحْمِ فَيُحْتَاجُ لِإِخْرَاجِهَا بِالْعَصْرِ فَغَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعَصْرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ طَهَارَةُ الْغُسَالَةِ وَمُقَابِلُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ طَهَارَتِهَا فَحَيْثُ حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهَا لَمْ يَجِبْ عَصْرٌ لَا فِي بِسَاطٍ وَلَا فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ وُجُوبِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ نَجَاسَتُهَا فَإِذَا انْتَفَتْ النَّجَاسَةُ فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ الْعَصْرِ لَا فِي الْبِسَاطِ وَلَا فِي اللَّحْمِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِهِ يَكْفِي الْجَفَافُ وَغَيْضُ الْمَاءِ فِي الْأَرْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute