للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَعْنًى قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَقَوْلُ النَّظْمِ (وَالنَّدْبُ امْتَنَعْ) أَيْ: حَرُمَ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَهُوَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا عَدُّ مَحَاسِنِ الْمَيِّتِ، وَقِيلَ عَدُّهَا مَعَ الْبُكَاءِ كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمُوعِهِ كَأَنْ يَقُولَ وَاكَهْفَاهُ، وَاجَبَلَاهُ، وَاسَنَدَاهُ، وَاكَرِيمَاهُ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ مُجَرَّدُ عَدِّ مَحَاسِنِهِ لَيْسَ بِحَرَامٍ فَالصَّوَابُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَرَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْبُكَاءَ بِمُجَرَّدِهِ لَيْسَ بِحَرَامٍ فَلَا أَثَرَ لَهُ فَمُجَرَّدُ عَدِّ مَحَاسِنِهِ بِالصِّيغَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا حَرَامٌ وَيَمْتَنِعُ أَيْضًا النَّوْحُ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ النَّظْمِ بِالْأَوْلَى، وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ

(وَالضَّرْبُ لِلْخَدِّ، وَشَقٌّ) لِثَوْبٍ (وَجَزَعْ) بِضَرْبِ صَدْرٍ، وَنَشْرِ شَعْرٍ، وَإِفْرَاطٌ بِرَفْعِ الصَّوْتِ بِالْبُكَاءِ، وَنَحْوِهَا لِخَبَرِ «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» ، وَخَبَرِ «بَرِئَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّالِقَةِ، وَالْحَالِقَةِ، وَالشَّاقَّةِ» رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ، وَخَبَرِ مُسْلِمٍ «النَّائِحَةُ إذَا لَمْ تَتُبْ تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ.» ، وَالصَّالِقَةُ بِالصَّادِ، وَالسِّينِ رَافِعَةُ الصَّوْتِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَالسِّرْبَالُ الْقَمِيصُ كَالدِّرْعِ، وَالْقَطِرَانُ بِكَسْرِ الطَّاءِ، وَسُكُونِهَا دُهْنُ شَجَرٍ يُطْلَى بِهِ الْإِبِلُ الْجُرْبُ، وَيُسْرَجُ بِهِ، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي اشْتِعَالِ النَّارِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَجَاءَ فِي الْإِبَاحَةِ مَا يُشْبِهُ النَّدْبَ، وَلَيْسَ مِنْهُ، وَهُوَ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ «لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ الْكَرْبُ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ وَا أَبَتَاهُ فَقَالَ لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ يَا أَبَتَاهُ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ يَا أَبَتَاهُ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ يَا أَبَتَاهُ إلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهُ»

(فُرُوعٌ) .

لَا بَأْسَ بِالْإِعْلَامِ بِمَوْتِهِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَغَيْرِهَا، وَيُكْرَهُ نَعْيُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ النِّدَاءُ بِمَوْتِ الشَّخْصِ، وَذِكْرُ مَآثِرِهِ، وَمَفَاخِرِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي، وَغَيْرُهُ، وَيُكْرَهُ مَرْثِيَةُ الْمَيِّتِ، وَهِيَ عَدُّ مَحَاسِنِهِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْمَرَاثِي» . ا. هـ وَالْوَجْهُ حَمْلُ تَفْسِيرِهَا بِذَلِكَ عَلَى غَيْرِ صِيغَةِ النَّدْبِ السَّابِقَةِ، وَإِلَّا فَيَلْزَمُ اتِّحَادُهَا مَعَهُ، وَقَدْ أَطْلَقَهَا الْجَوْهَرِيُّ عَلَى عَدِّ مَحَاسِنِهِ مَعَ الْبُكَاءِ، وَعَلَى نَظْمِ الشِّعْرِ فِيهِ فَيُكْرَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ بَلْ نَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ تَحْرِيمَ بَعْضِ الْمَرَاثِي كَالنَّوْحِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّبَرُّمِ بِالْقَضَاءِ، وَالْأَوْجَهُ حَمْلُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ عَلَى مَا يَظْهَرُ فِيهِ تَبَرُّمٌ أَوْ عَلَى فِعْلِهِ مَعَ الِاجْتِمَاعِ لَهُ أَوْ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنْهُ دُونَ مَا عَدَا ذَلِكَ فَمَا زَالَ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَفْعَلُونَهُ، وَقَدْ قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ

مَاذَا عَلَيَّ مِنْ شَمِّ تُرْبَةِ أَحْمَدْ ... أَنْ لَا يُشَمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا

صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبُ لَوْ أَنَّهَا ... صُبَّتْ عَلَى الْأَيَّامِ عُدْنَ لَيَالِيَا

(وَعَزَّ نَدْبًا) أَهْلَ الْمَيِّتِ، وَلَوْ صِبْيَانًا، وَنِسَاءً قَبْلَ الدَّفْنِ، وَبَعْدَهُ؛ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ عَلَى امْرَأَةٍ تَبْكِي عَلَى صَبِيٍّ لَهَا فَقَالَ لَهَا اتَّقِ اللَّهَ، وَاصْبِرِي، ثُمَّ قَالَ إنَّمَا الصَّبْرُ» أَيْ: الْكَامِلُ «عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ «مَنْ عَزَّى أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.» لَكِنْ لَا يُعَزِّي الشَّابَّةَ مِنْ الرِّجَالِ إلَّا مَحَارِمُهَا، وَزَوْجُهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِهِمْ كُلُّ مَنْ يُبَاحُ نَظَرُهُ إلَيْهَا كَعَبْدِهَا، وَالتَّعْزِيَةُ بَعْدَ الدَّفْنِ أَوْلَى مِنْهَا قَبْلَهُ لِاشْتِغَالِهِمْ قَبْلَهُ بِتَجْهِيزِهِ، وَلِشِدَّةِ حُزْنِهِمْ حِينَئِذٍ بِالْمُفَارَقَةِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ جَزَعُهُمْ فَيُعَجِّلُهَا، وَالتَّصْرِيحُ بِنَدْبِهَا مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ، وَحَقِيقَتُهَا لُغَةً التَّصْبِيرُ لِمَنْ أُصِيبَ بِمَا يَعِزُّ عَلَيْهِ، وَشَرْعًا الْحَمْلُ عَلَى الصَّبْرِ بِوَعْدِ الْأَجْرِ، وَالتَّحْذِيرُ عَنْ الْوِزْرِ بِالْجَزَعِ، وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بِالْمَغْفِرَةِ، وَلِلْمُصَابِ بِجَبْرِ الْمُصِيبَةِ فَعَطَفَ النَّاظِمُ عَلَيْهَا قَوْلُهُ (، وَعَلَى الصَّبْرِ احْمِلَا بِوَعْدِ أَجْرٍ وَالدُّعَاءِ لِذِي الْبِلَا وَلِلْمُصَابِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَلَوْ عَبَّرَ كَالْحَاوِي بِقَوْلِهِ وَالتَّعْزِيَةُ بِالْحَمْلِ عَلَى الصَّبْرِ بِوَعْدِ الْأَجْرِ، وَالدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ، وَالْمُصَابِ كَانَ أَوْلَى

(وَثَلَاثَةٌ) مِنْ الْأَيَّامِ تَقْرِيبًا (تُمَدْ) أَيْ: التَّعْزِيَةُ، وَتُكْرَهُ بَعْدَهَا إذْ الْغَرَضُ مِنْهَا تَسْكِينُ قَلْبِ الْمُصَابِ، وَالْغَالِبُ سُكُونُهُ فِيهَا فَلَا يُجَدَّدُ حُزْنُهُ، وَقَدْ جَعَلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِهَايَةَ الْحُزْنِ بِقَوْلِهِ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ

ــ

[حاشية العبادي]

يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَمْلِكُهُ الْبَشَرُ شَرْحُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ بِالصِّيغَةِ الَّتِي إلَخْ) أَيْ لَا مُطْلَقًا وَإِلَّا دَخَلَ الْمَادِحُ وَالْمُؤَرِّخُ

. (قَوْلُهُ: وَإِفْرَاطٌ) خَرَجَ غَيْرُ الْإِفْرَاطِ. (قَوْلُهُ: وَإِفْرَاطٍ بِرَفْعِ الصَّوْتِ بِالْبُكَاءِ) قَالَهُ الْإِمَامُ وَنَقَلَهُ فِي الْأَذْكَارِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَقَضِيَّةُ التَّقْيِيدِ بِالْإِفْرَاطِ أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالْبُكَاءِ مِنْ غَيْرِ إفْرَاطٍ جَائِزٌ فَقَوْلُهُ الْآتِي وَالصَّالِقَةُ رَافِعَةُ الصَّوْتِ يُحْمَلُ عَلَى رَفْعٍ مَعَ إفْرَاطٍ أَوْ مَعَ نَدْبٍ فَلْيُتَأَمَّلْ سم

(قَوْلُهُ فَيُكْرَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا) إذَا كَانَ بِغَيْرِ صِيغَةِ النَّدْبِ

. (قَوْلُهُ: لَكِنْ لَا يُعَزِّي الشَّابَّةَ إلَخْ) (تَنْبِيهٌ) .

أَفْتَى شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لِأَقَارِب الْمَيِّتِ تَعْزِيَةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا. اهـ. وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّارِحِ لَكِنْ لَا يُعَزِّي الشَّابَّةَ مِنْ الرِّجَالِ إلَّا مَحَارِمُهَا حَيْثُ يَدُلُّ عَلَى تَعْزِيَةِ بَعْضِ الْأَقَارِبِ بَعْضًا لِجَوَازِ حَمْلِ هَذَا عَلَى تَعْزِيَتِهِمْ إيَّاهَا بِغَيْرِ قَرِيبٍ كَزَوْجِهَا الْأَجْنَبِيِّ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: الْحَمْلُ عَلَى الصَّبْرِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ فِيهَا وَقَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدٍ مِنْهَا فِي أَصْلِ السُّنَّةِ. (قَوْلُهُ: عَطْفُ تَفْسِيرٍ) أَيْ قَوْلُهُ وَعَلَى الصَّبْرِ احْمِلَا إلَخْ عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى قَوْلِهِ وَعَزَّ نَدْبًا. (قَوْلُهُ: كَانَ أَوْلَى) ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يُوهِمُ الْمُغَايَرَةَ.

ــ

[حاشية الشربيني]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>