الزَّكَاةِ أَوْ بَعْضَهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَقَبْلَ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَلَوْ بَاعَهُ أَوْ رَهَنَهُ إلَّا قَدْرَهَا بَطَلَ فِي قَدْرِهَا مِنْ الْمَبِيعِ وَالْمَرْهُونِ وَصَحَّ فِي الْبَاقِي مِنْهُمَا بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَالْقَدْرُ الْبَاقِي بِلَا بَيْعٍ وَرَهْنٍ قَدْرُ الزَّكَاةِ مِنْهُ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ (قُلْت وَلَوْ) كَانَ الْمَبِيعُ أَوْ الْمَرْهُونُ (مَالَ تِجَارَةٍ، فَلَا) يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مُتَعَلَّقَ زَكَاتِهِ الْقِيمَةُ وَهِيَ لَا تَفُوتُ بِذَلِكَ وَيُخَالِفُ هِبَتَهُ وَعِتْقَهُ وَنَحْوَهُمَا حَيْثُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَرِينَةً صَارِفَةً لِجِهَةِ الزَّكَاةِ وَإِنْ لَمْ يُغْنِ عَنْ النِّيَّةِ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ الْإِفْرَازَ لِلزَّكَاةِ وَلَا كَذَلِكَ إبْقَاءُ قَدْرِ الزَّكَاةِ فَلَا اسْتِثْنَاءَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِاللَّفْظِ أَقْوَى وَأَدَلُّ عَلَى الْإِبْقَاءِ لِلزَّكَاةِ م ر، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ إلَّا هَذِهِ الشَّاةَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إلَّا قَدْرَ الزَّكَاةِ فَلِذَا صَحَّ الْبَيْعُ فِي كُلِّ الْمَبِيعِ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ إفْرَازِ قَدْرِ الزَّكَاةِ وَلَوْ بِنِيَّتِهَا لَا يَكْفِي فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ لِقُوَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ اللَّفْظِيِّ الْمُقْتَرِنِ بِالْعَقْدِ.
وَقَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ اسْتَثْنَى إلَخْ أَقُولُ لَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَعَدَمِهِ إذْ فِي الْحَالَيْنِ يَصِحُّ فِيمَا عَدَا قَدْرَ الزَّكَاةِ دُونَ قَدْرِ الزَّكَاةِ نَعَمْ يَفْتَرِقَانِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ عِنْدَ الِاسْتِثْنَاءِ لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَرَدَ عَلَى مَا عَدَاهُ فَقَطْ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مَعْلُومًا وَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ بِخِلَافِهِ عِنْدَ عَدَمِ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَارِدٌ عَلَى الْجُمْلَةِ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ وَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِمَا صَحَّ فِيهِ الْبَيْعُ عِنْدَ الْجَهْلِ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَطَ فِي الْبَيْعِ هُوَ الْعِلْمُ بِمَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ لَا بِمَا صَحَّ فِيهِ وَقَوْلُهُ، أَمَّا الْمَاشِيَةُ إلَخْ أَقُولُ لَوْ جَهِلَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إلَّا هَذِهِ الشَّاةَ إفْرَازَهَا لِلزَّكَاةِ لَمْ يُنَافِ ذَلِكَ مَا سَبَقَ عِنْدَ ابْنِ الصَّبَّاغِ؛ لِأَنَّ إفْرَازَهَا بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ مُعْتَدٌّ بِهِ وَلِهَذَا اسْتَغْنَى مَعَهُ عَنْ النِّيَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ قَطَعَ حَقَّ الْمُسْتَحِقِّينَ عَنْ الْبَاقِي فَصَحَّ الْبَيْعُ فِي جَمِيعِهِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ أَنَّ مُجَرَّدَ ذَلِكَ يَقْطَعُ حَقَّ الْفُقَرَاءِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ أَوْ بَعْضَهُ) أَيْ مُعَيَّنًا.
(قَوْلُهُ فَلَوْ بَاعَهُ أَوْ رَهَنَهُ إلَخْ) أَيْ عَلَى التَّعْيِينِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ كَأَنْ فَصَلَ عُشْرَ الثَّمَرَةِ عَنْ الْبَاقِي، وَقَالَ فِي الْبَاقِي بِعْتُك هَذَا، أَمَّا عَلَى الشُّيُوعِ كَأَنْ قَالَ فِي جُمْلَةِ الثَّمَرَةِ بِعْتُك تِسْعَةَ أَعْشَارِ هَذِهِ فَيَصِحُّ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي أَرْبَعِينَ شَاةً بِعْتُك تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ مِنْ هَذِهِ لَمْ يَصِحَّ لِلْجَهْلِ بِالْمَبِيعِ. (قَوْلُهُ: إلَّا قَدْرَهَا) أَيْ تَرَكَ قَدْرَهَا مُتَمَيِّزًا بِلَا بَيْعٍ، أَمَّا لَوْ
ــ
[حاشية الشربيني]
الَّتِي وَرَدَ عَلَيْهَا الْبَيْعُ مَعْلُومَةٌ وَهُوَ كَافٍ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَيَبْطُلُ فِي قَدْرِهَا وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ عِنْدَ الْجَهْلِ وَحِينَئِذٍ فَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ لِيُفْرِزَ الْبَائِعُ مِنْهُ قَدْرَ الزَّكَاةِ أَوْ يُفْرِزَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ إذَا وَجَبَتْ فِيهَا الشِّيَاهُ.
أَمَّا فِيهَا فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ قِيمَةِ الشَّاةِ، وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَالْمَجْهُولُ إذَا انْضَمَّ إلَى مَعْلُومٍ صَيَّرَ الْكُلَّ مَجْهُولًا فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَيَبْطُلُ فِيمَا بَاعَهُ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ وَالْبَاقِي الْمُفْرَزُ بَعْضُهُ زَكَاةٌ وَبَعْضُهُ عَلَى مِلْكِهِ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْإِفْرَازِ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّ الْإِفْرَازَ وَلَوْ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ لَا يَقْطَعُ حَقَّ الْمُسْتَحِقِّينَ وَإِنْ اُعْتُدَّ بِالنِّيَّةِ هَذَا مَا عَلَيْهِ م ر تَبَعًا لِوَالِدِهِ وَقَالَ ح ل إذَا أُفْرِزَ بِالنِّيَّةِ صَحَّ الْبَيْعُ فِيمَا عَدَا الْمُفْرَزَ وَهَذَا جَارٍ فِي الْمَاشِيَةِ وَغَيْرِهَا، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِ إنْ لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ قَدْرِ الزَّكَاةِ كَقَوْلِهِ بِعْتُك تِسْعَةَ أَعْشَارِ هَذِهِ الصُّبْرَةِ وَالزَّكَاةُ عُشْرٌ أَوْ نِصْفُهُ وَكَقَوْلِهِ بِعْتُك تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ كُلِّ شَاةٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعِينَ فَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ قَدْرِهَا بَطَلَ الْبَيْعُ فِيهِ، وَأَمَّا الرَّابِعُ كَأَنْ يَقُولَ بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ إلَّا قَدْرَ الزَّكَاةِ مِنْهَا فَيَصِحُّ جَزْمًا إنْ عَلِمَ الْمُتَبَايِعَانِ قَدْرَ الزَّكَاةِ وَإِلَّا بَطَلَ لِجَهْلِ الْمَبِيعِ حِينَئِذٍ وَعِنْدَ الصِّحَّةِ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَبِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثِ فَارَقَ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ وَيَجْرِي هَذَا فِي الشِّيَاهِ كَأَنْ يَقُولَ بِعْتُك هَذَا النِّصَابَ إلَّا قَدْرَ الزَّكَاةِ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى الرَّاجِحِ أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا شَائِعٌ.
أَمَّا عَلَى الْمَرْجُوحِ أَنَّ الْوَاجِبَ شَاةٌ مُبْهَمَةٌ يُعَيِّنُهَا الْمَالِكُ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمُبْهَمِ يُصَيِّرُ الْمَبِيعَ مَجْهُولًا، وَأَمَّا الْخَامِسُ فَالْبَيْعُ فِيهِ بَاطِلٌ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى اسْتِثْنَاءٍ مُبْهَمٍ سَوَاءٌ الْمُتَقَوِّمُ وَالْمِثْلِيُّ إذْ لَا فَرْقَ كَأَنْ جَزَّأَ الصُّبْرَةَ أَرَادِبَّ وَقَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْأَرَادِبَّ إلَّا إرْدَبًّا مِنْهَا وَلَا نَظَرَ لِتَمَاثُلِ الْأَجْزَاءِ، وَأَمَّا السَّادِسُ فَيَصِحُّ فِيهِ الْبَيْعُ حَيْثُ كَانَ الْمُسْتَثْنَى الْمُعَيَّنُ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمُسْتَحِقِّينَ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِالْمُسْتَثْنَى الزَّكَاةَ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْإِفْرَازَ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ وَلَوْ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ لَا يَقْطَعُ حَقَّ الْمُسْتَحِقِّينَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ اللَّفْظِيَّ الْمُقْتَرِنَ بِالْعَقْدِ أَقْوَى مِنْ الْإِفْرَازِ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ وَإِنْ صَاحَبَتْهُ النِّيَّةُ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقِيلَ إنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَةِ الْإِفْرَازِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يَقْطَعُ حَقَّ الْمُسْتَحِقِّينَ وَلَوْ مَعَ نِيَّةِ التَّزْكِيَةِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَإِنْ قُلْنَا يَقْطَعُ بِشَرْطِ النِّيَّةِ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ هُنَا النِّيَّةُ إقَامَةً لِلِاسْتِثْنَاءِ مَقَامَ النِّيَّةِ فِي إفَادَةِ حَصْرِ حَقِّ الْمُسْتَحِقِّينَ فِي الْمُسْتَثْنَى لَا فِي الْإِغْنَاءِ عَنْ النِّيَّةِ.
هَذَا حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ مُحَرَّرَةً بَعْدَ الْبَحْثِ وَاسْتِيعَابِ كَلَامِ الْمُحَشِّي وَغَيْرِهِ كَذَا بِخَطِّ بَعْضِ أَكَابِرِ تَلَامِذَةِ شَيْخِنَا الْإِمَامِ الذَّهَبِيِّ رَحِمَ اللَّهُ الْجَمِيعَ.
(قَوْلُهُ: إلَّا قَدْرَهَا) أَيْ: بِأَنْ يُفْرِزَ قَدْرَهَا وَيَبِيعَ الْبَاقِيَ فَالْبُطْلَانُ فِي قَدْرِهَا مِنْ الْمَبِيعِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ صَادَفَ مِنْهُ