بِثُبُوتِ الْوِلَادَةِ بِالنِّسَاءِ لَا حَوْجَ إلَى الْفَرْقِ؟ وَفَرَّقَ هُوَ فِي الشَّهَادَاتِ بِأَنَّ الضِّمْنِيَّ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ لَازِمٌ لِلْمَشْهُودِ بِهِ خِلَافَ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ وَاشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ مَحَلُّهُ فِي ثُبُوتِ الشَّهْرِ فِي حَقِّ غَيْرِ الرَّائِي.
أَمَّا الرَّائِي فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا وَخَرَجَ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مَا لَوْ عَرَفَهُ أَحَدٌ فِي مَنَامِهِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَصِحُّ الصَّوْمُ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَمَا لَوْ عَرَفَهُ حَاسِبٌ، أَوْ مُنَجِّمٌ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ الصَّوْمُ وَلَا يَجُوزُ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ عَنْ الْجُمْهُورِ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا دُونَ غَيْرِهِمَا وَلَا يُجْزِئُهُمَا عَنْ فَرْضَيْهِمَا وَصَحَّحَ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ إذَا جَازَ أَجْزَأَ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَصَوَّبَهُ السُّبْكِيُّ ثُمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ ثُبُوتِهِ بِالْوَاحِدِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: أَنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِرُجُوعِهِ عَنْهُ فَفِي الْأُمِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدُ: لَا يَجُوزُ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ إلَّا شَاهِدَانِ قَالَ الشَّارِحُ: فِي تَحْرِيرِهِ وَكُنْت أَوَّلْته بِأَنَّ مُرَادَ الرَّبِيعِ الْبَعْدِيَّةَ فِي تَرْتِيبِ الْكِتَابِ لَا فِي التَّارِيخِ حَتَّى رَأَيْت الْإِمَامَ الْبُلْقِينِيَّ نَقَلَ مَعَ هَذَا النَّصِّ نَصًّا آخَرَ صِيغَتُهُ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ بَعْدُ فَقَالَ: لَا يُصَامُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَهَذَا النَّصُّ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ الْمَذْكُورَ وَزَادَ النَّاظِمُ لَفْظَ شَهْرٍ لِيَسْلَمَ مِنْ كَرَاهَةِ ذِكْرِ رَمَضَانَ بِدُونِ شَهْرٍ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ لَكِنْ رَدَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ الصَّوَابَ خِلَافُهُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَهْيٍ فِيهِ بَلْ ثَبَتَ ذِكْرُهُ بِدُونِ شَهْرٍ فِي أَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ كَخَبَرِ «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» .
وَإِذَا ثَبَتَ رَمَضَانُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ بِمَكَانٍ ثَبَتَ (فِي حَقِّ مَنْ) قَرُبَ مِنْهُ دُونَ مَنْ بَعُدَ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ «عَنْ كُرَيْبٌ رَأَيْت الْهِلَالَ بِالشَّامِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْت الْمَدِينَةَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ قُلْت لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ قَالَ: أَنْتَ رَأَيْته قُلْت نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ الْعِدَّةَ فَقُلْت، أَوَلَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ قَالَ: لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَقِيَاسًا عَلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَالشَّمْسِ وَغُرُوبِهِمَا، وَالْقَرِيبُ مِنْ (دُونِ مَسِيرِ الْقَصْرِ) أَيْ مَسَافَتِهِ مِنْ مَحَلِّ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ بِدُونِهَا
ــ
[حاشية العبادي]
فِي بَابِ الطَّلَاقِ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ بِبَلَدِ التَّعْلِيقِ (قَوْلُهُ: لَا حَوْجَ لِلْفَرْقِ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ الْقَائِلِ أَوْ الْقَوْلِ، أَوْ الْمَفْعُولِ أَيْ لَا حَوْجَ الْقَائِلِ لِعُلَمَاءَ (قَوْلُهُ: فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ) وَكَذَا عَلَى مَنْ اعْتَقَدَ صِدْقَهُ (قَوْلُهُ: عَرَفَهُ حَاسِبٌ إلَخْ) الْحَاسِبُ مَنْ يَعْتَمِدُ مَنَازِلَ الْقَمَرِ وَتَقْدِيرَ سَيْرِهِ، وَالْمُنَجِّمُ مَنْ يَرَى أَنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ طُلُوعُ النَّجْمِ الْفُلَانِيِّ مِنْهُ بِرّ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمَا إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى مَنْ أَخْبَرَاهُ وَاعْتَقَدَ صِدْقَهُمَا م ر (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَ فِي الْكِفَايَةِ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ م ر (قَوْلُهُ: خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ) بَلْ هُوَ عَيْنُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ اتِّبَاعُ الْحَدِيثِ إذَا صَحَّ وَتَرْكُ قَوْلِهِ الْمُخَالِفِ لَهُ وَقَدْ صَحَّ الْحَدِيثُ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا خَالَفَ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ فَحَيْثُ صَحَّ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ التَّأْوِيلُ) وَهَذَا لَا يَرِدُ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ اتِّبَاعُ الْحَدِيثِ وَقَدْ صَحَّ (قَوْلُهُ وَقِيَاسًا عَلَى طُلُوعِ إلَخْ) مَا صُورَةُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: دُونَ مَسِيرِ الْقَصْرِ إلَخْ) .
(فَرْعٌ)
رُئِيَ الْهِلَالُ بِبَلَدٍ وَأَصْبَحَ صَائِمًا فَجَامَعَ جِمَاعًا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، ثُمَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْيَوْمِ الَّذِي جَامَعَ فِيهِ انْتَقَلَ لِبَلَدٍ مُخْتَلِفِ الْمَطْلَعِ مَعَ الْأَوَّلِ لَمْ يُرَ فِيهِ فِي لَيْلَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَالْوَجْهُ اسْتِمْرَارُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَإِنْ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْبَلَدِ الثَّانِي لِثُبُوتِ الْوُجُوبِ قَبْلَ الِانْتِقَالِ إلَيْهِ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُهُ إلَّا بَعْدَ الِانْتِقَالِ فَلَوْ كَانَ الِانْتِقَالُ قَبْلَ انْقِضَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَالْوَجْهُ سُقُوطُ الْكَفَّارَةِ فَلَوْ عَادَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِلْبَلَدِ الْأَوَّلِ فَالْوَجْهُ تَبَيُّنُ بَقَاءِ الْوُجُوبِ كَذَا م ر، ثُمَّ قَالَ: مَتَى رَجَعَ إلَى الْبَلَدِ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ كَانَ انْتِقَالُهُ إلَيْهَا فِي يَوْمِ الْجِمَاعِ أَمْ بَعْدَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ رُجُوعُهُ إلَيْهَا فِي يَوْمِ الْجِمَاعِ، أَوْ بَعْدَهُ تَبَيَّنَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ أَهْلِهَا بِدَلِيلِ ثُبُوتِ أَحْكَامِ عَبْدِهَا وَغَيْرِهِ فِي حَقِّهِ اهـ.
إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ: فَالْوَجْهُ اسْتِمْرَارُ إلَخْ يَحْتَمِلُ خِلَافَهُ
ــ
[حاشية الشربيني]
م ر لَكِنَّ الَّذِي فِي الشَّارِحِ هُنَا خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: لَازِمٌ لِلْمَشْهُودِ بِهِ) عِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ عَلَى الشَّرْحِ نَقْلًا عَنْ الْإِمْدَادِ لِحَجَرٍ نَصُّهَا لَازِمٌ شَرْعِيٌّ لِلْمَشْهُودِ بِهِ وَإِثْبَاتُ اللَّازِمِ الشَّرْعِيِّ ضَرُورِيٌّ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ بِالنِّسْبَةِ لِرَمَضَانَ فَإِنَّهُ لَازِمٌ وَضْعِيٌّ لَهُ إذْ لَمْ يُرَتِّبْهُ الشَّارِعُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا رَتَّبَهُ وَاضِعُهُ فَهُوَ فِي نَفْسِهِ قَابِلٌ لِلِانْفِكَاكِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْهِلَالِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى ثُبُوتِ التَّعْلِيقِ وَنَحْوِهِ؛ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَثْبُتُ ضِمْنًا إذَا كَانَ التَّابِعُ مِنْ جِنْسِ الْمَتْبُوعِ كَالصَّوْمِ، وَالْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْعِبَادَاتِ وَكَالْوِلَادَةِ، وَالنَّسَبِ، وَالْإِرْثِ فَإِنَّهَا مِنْ الْمَالِ، وَالْآيِلُ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّ التَّابِعَ مِنْ الْمَالِ، أَوْ الْآيِلِ إلَيْهِ، وَالْمَتْبُوعِ مِنْ الْعِبَادَاتِ اهـ.
نَقَلَهُ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ) قَدْ يَرِدُ عَلَيْهِ تَوَابِعُ رَمَضَانَ الْمُتَقَدِّمَةُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ يَجُوزُ إلَخْ) هُوَ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَدُلَّ الْحِسَابُ عَلَى عَدَمِ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ وَإِلَّا فَالْعَمَلُ بِهِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا أَوْجَبَ الصَّوْمَ بِالرُّؤْيَةِ لَا بِوُجُودِ الشَّهْرِ اهـ.
رَشِيدِيٌّ عَلَى م ر (قَوْلُهُ: فَفِي الْأُمِّ) مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الرَّبِيعُ عَلَى الْبُوَيْطِيِّ فَإِنَّ الْأُمَّ رَوَاهَا الْبُوَيْطِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمَاتَ الْبُوَيْطِيُّ قَبْلَ تَرْتِيبِهَا فَرَتَّبَهَا الرَّبِيعُ وَاسْتَدْرَكَ فِيهَا أَشْيَاءَ اهـ.
عَمِيرَةَ اهـ.
سم عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: وَقِيَاسًا إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّهُمْ أَنَاطُوا طُلُوعَ الْفَجْرِ، وَالشَّمْسِ وَغُرُوبَهُمَا فِي بَلَدٍ بِالنِّسْبَةِ لِأُخْرَى بِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَصَرِيحُ شَرْحِ الْعُبَابِ لِحَجَرٍ أَنَّهُمْ أَنَاطُوا ذَلِكَ بِاتِّحَادِ الْمَطَالِعِ وَاخْتِلَافِهَا فَهُوَ يَرُدُّ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلِذَا تَوَقَّفَ فِيهِ الْمُحَشِّي وَقَالَ: اُنْظُرْ مَا صُورَةُ ذَلِكَ أَيْ مَا صُورَةُ اعْتِبَارِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فِي