الْمُسْلِمِينَ
وَلِهَذَا لَا يَسْتَقِرُّ فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الْمَنْذُورِ انْتَهَى وَزَادَ النَّاظِمُ قَوْلَهُ مِنْ لَيْلِهِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ الِاكْتِفَاءِ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ، وَهُوَ حَسَنٌ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مَفْهُومَةً بِالْأَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ: لِكُلِّ يَوْمٍ نَعَمْ لَوْ أَخَّرَ قَوْلَهُ: لِكُلِّ يَوْمٍ إلَى هُنَا لَشَمَلَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَقَدْ يُقَالُ عَلَى بُعْدٍ: فِيهَا فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ دَفْعُ تَوَهُّمِ أَنْ يُرَادَ بِمُبَيِّتِهِ مُدَبَّرُهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ} [النساء: ٨١] وَقَوْلُهُ: {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النساء: ١٠٨] أَيْ يُدَبِّرُونَ، وَالتَّعْيِينُ الْمُبَيَّتُ فِي رَمَضَانَ (كَمِثْلِ أَنْ) بِزِيَادَةِ مِثْلِ أَيْ كَأَنْ (يَنْوِيَ هُوَ صَوْمَ الْغَدِ عَنْ فَرِيضَةِ الشَّهْرِ) أَيْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَالْغَدُ مِثَالٌ لِلتَّبْيِيتِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ مِثَالٌ لِلتَّعْيِينِ.
وَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِلْغَدِ بِخُصُوصِهِ بَلْ يَكْفِي دُخُولُهُ فِي صَوْمِ الشَّهْرِ الْمَنْوِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى أَوَّلَ الشَّهْرِ صَوْمَهُ صَحَّ لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَالرَّوْضَةِ، وَالْمِنْهَاجِ وَأَصْلَيْهِمَا اشْتِرَاطُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِينَ عَدَمَ اشْتِرَاطِهَا هُنَا بِخِلَافِهِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ مِنْ الْبَالِغِ لَا يَقَعُ إلَّا فَرْضًا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْمُعَادَةَ نَفْلٌ وَرُدَّ بِاشْتِرَاطِ بَيْتِهَا فِي الْمُعَادَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ صَحَّحَ فِيهِ أَيْضًا عَدَمَ اشْتِرَاطِهَا فِي الْمُعَادَةِ. وَكَمَالُ التَّعْيِينِ فِي رَمَضَانَ أَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ الْغَدِ عَنْ أَدَاءِ فَرْضِ رَمَضَانَ هَذِهِ السَّنَةَ لِلَّهِ تَعَالَى (بِجَزْمٍ، أَوْ بِظَنْ) أَيْ يَقْصِدُ الصَّوْمَ مَعَ جَزْمِهِ بِمَا يَنْوِيهِ، أَوْ ظَنِّهِ لَهُ فَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ ثَلَاثِيِّ شَعْبَانَ عَنْ رَمَضَانَ بِلَا رُؤْيَةٍ لَمْ يَقَعْ عَنْهُ إذَا بَانَ مِنْهُ سَوَاءٌ جَزَمَ بِالصَّوْمِ عَنْهُ صُورَةً أَمْ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ: إنْ كَانَ مِنْهُ إذْ لَا جَزْمَ حَقِيقَةً بِدُونِ اعْتِقَادٍ وَلَا ظَنَّ بِدُونِ أَمَارَةٍ.
وَيَحْصُلُ لَهُ الظَّنُّ بِقَوْلِهِ: مَنْ يَثِقُ بِهِ وَلَوْ (بِقَوْلِ صِبْيَةٍ ذَوِي رَشَادِ) يَعْنِي مُخْتَبَرِينَ بِالصِّدْقِ (أَوْ عَبْدٍ، أَوْ أُنْثَى، أَوْ اجْتِهَادٍ) مِنْ أَسِيرٍ وَنَحْوِهِ (أَوْ صُحْبَةٍ) أَيْ اسْتِصْحَابٍ كَنِيَّتِهِ الصَّوْمَ لَيْلَةَ ثَلَاثِيِّ رَمَضَانَ اسْتِصْحَابًا لِبَقَائِهِ سَوَاءٌ جَزَمَ بِالنِّيَّةِ صُورَةً أَوْ رَدَّدَ فِيهَا فَقَالَ: نَوَيْت
ــ
[حاشية العبادي]
فَإِنَّ فِي صُورَةِ الصَّلَاةِ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَ نِيَّةِ كُلِّ صَلَاةٍ لَا يَدْرِي أَنَّهَا الَّتِي عَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ عِنْدَ نِيَّةِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ لَا يَدْرِي أَنَّهُ أَيُّ شَيْءٍ مِنْ الْقَضَاءِ، وَالنَّذْرِ، وَالْكَفَّارَةِ
وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ التَّشْبِيهِ أَنَّهُ فِي صُورَةِ الصَّلَاةِ يَصِحُّ بِنِيَّةِ الْوَاجِبِ كَمَا تَوَهَّمَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إلَّا مَعَ التَّعْيِينِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مِنْ الصَّلَاةِ) أَيْ فِيمَا إذَا نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ جَهِلَ عَيْنَهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْخَمْسَ وَتُجْزِئُهُ عَمَّا عَلَيْهِ وَيُعْذَرُ فِي عَدَمِ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ وَذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَدْ يُقَالُ: قِيَاسُ الصَّلَاةِ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَنْوِي يَوْمًا عَنْ الْقَضَاءِ وَيَوْمًا عَنْ النَّذْرِ وَيَوْمًا عَنْ الْكَفَّارَةِ، أَوْ يُقَالُ: يُصَلِّي ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ فَقَطْ الصُّبْحَ، وَالْمَغْرِبَ وَإِحْدَى رَبَاعِيَةٍ يَنْوِي فِيهَا الصَّلَاةَ الْوَاجِبَةَ وَيُجَابُ بِأَنَّ: الذِّمَّةَ هُنَا لَمْ تَشْتَغِلْ بِالثَّلَاثِ، وَالْأَصْلُ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِصَوْمِ يَوْمٍ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِمَّا زَادَ بِخِلَافِ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ فَإِنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِجَمِيعِهَا، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ كُلٍّ مِنْهَا فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِصَوْمِ الثَّلَاثَةِ وَأَتَى بِاثْنَيْنِ مِنْهَا وَنَسِيَ الثَّالِثَ الْتَزَمَ فِيهِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفُوا ثَمَّ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ كَنَظِيرِهَا هُنَا؛ لِأَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا هُنَا مَا لَمْ يَتَوَسَّعُوا ثَمَّ بِدَلِيلٍ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ فِي نِيَّةِ الصَّوْمِ وَعَدَمِ الْخُرُوجِ مِنْهُ بِنِيَّةِ تَرْكِهِ بِخِلَافِهِمَا فِي الصَّلَاةِ كَذَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَقَوْلُهُ: الْتَزَمَ فِيهِ ذَلِكَ لَكِنْ يُحْتَمَلُ عَدَمُ الْتِزَامِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَا هُنَا أَوْسَعُ كَمَا تَقَرَّرَ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَا يَسْتَقِرُّ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَقْضِي إذَا فَاتَ وَهُوَ كَذَلِكَ م ر (قَوْلُهُ: مَفْهُومَةً بِالْأَوْلَى) كَانَ وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ تَكْرَارَ النِّيَّةِ لِتَكْرَارِ الْأَيَّامِ مِنْ بَابِ تَكْرَارِ الْأَصْلِ وَتَكْرَارَ التَّبْيِيتِ مِنْ بَابِ تَكْرَارِ الْوَصْفِ وَإِذَا وَجَبَ تَكْرَارُ الْأَصْلِ فَتَكْرَارُ الْوَصْفِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ سم (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى إلَخْ) وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ نَوَى بَعْدَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ صَوْمَ الْبَاقِي مِنْ الشَّهْرِ صَحَّ لِلْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ بَعْدَ الْيَوْمِ الثَّانِي صَوْمُ الْبَاقِي مِنْهُ صَحَّ لِلثَّالِثِ وَهَكَذَا سم (قَوْلُهُ: صَوْمَهُ) أَيْ الشَّهْرِ (قَوْلُهُ: صَحَّ لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ) مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ بِخُصُوصِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِقَوْلِ صِبْيَةٍ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَلَوْ اعْتَقَدَهُ بِخَبَرِ امْرَأَةٍ
[حاشية الشربيني]
لَمْ يَتَذَكَّرْ اهـ.
شَيْخُنَا قُوَيْسَنِيٌ اهـ.
مَرْصِفِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ أَيْ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ شَكَّ بَعْدَ الْغُرُوبِ فِي أَنَّهُ نَوَى أَوْ لَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ كَمَا فِي ق ل قَالَ سم فِي حَاشِيَةِ التُّحْفَةِ: وَيُفَارِقُ نَظِيرُهُ فِي الصَّلَاةِ، وَالْوُضُوءِ بِأَنَّهُمَا أَضْيَقُ مِنْ الصَّوْمِ (قَوْلُهُ: بِالْأَوْلَى) ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ النَّفْلِ هَذَا مُرَادُهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ أَخَّرَ إلَى آخِرِهِ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: بَلْ يَكْفِي دُخُولُهُ إلَخْ) فَالْوَاجِبُ إمَّا التَّعَرُّضُ لِمَعْنَى الْغَدِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَنِيَّةِ الشَّهْرِ كُلِّهِ فَلَوْ انْتَفَى هُوَ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ لَمْ تَتَحَقَّقْ النِّيَّةُ الْوَاجِبَةُ اهـ.
تُحْفَةٌ وَلَا بُدَّ مَعَ نِيَّةِ الشَّهْرِ أَنْ يُلَاحَظُ كَوْنَهُ عَنْ رَمَضَانَ كَمَا فِي الْغَدِ سم (قَوْلُهُ: وَرُدَّ بِاشْتِرَاطِ نِيَّتِهَا إلَخْ) أَيْ لِتَكُونَ مُعَادَةً وَإِلَّا كَانَتْ صَلَاةً أُخْرَى تَدَبَّرْ وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ وَرَدَّهُ السُّبْكِيُّ بِوُجُوبِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِيهَا وَيُرَدُّ بِأَنَّ وُجُوبَهَا فِيهَا عَلَى مَا مَرَّ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ حَقِيقَتَهَا بَلْ لِتَتِمَّ مُحَاكَاتُهَا لِلْأُولَى كَمَا مَرَّ وَذَلِكَ مَفْقُودٌ هُنَا (قَوْلُهُ: صَوْمَ الْغَدِ) أَيْ دُونَ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَهَذَا هُوَ الْأَكْمَلُ أَمَّا الْوَاجِبُ فَأَحَدُهُمَا (قَوْلُهُ: صِبْيَةٍ) لَيْسَ قَيْدًا فَيَكْفِي وَاحِدٌ مُخْتَبَرٌ بِالصِّدْقِ م ر، ثُمَّ رَأَيْته بَعْدُ (قَوْلُهُ: أَوْ اجْتِهَادٍ) هَلْ لَهُ الْعَمَلُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ النَّاشِئِ عَنْ اجْتِهَادٍ عِنْدَ عَجْزِهِ كَمَا فِي الْقِبْلَةِ، وَالْأَوَانِي، وَالْوَقْتِ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute