للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةٌ» وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ فِي صَحِيحِهِ «اسْتَعِينُوا بِطَعَامِ السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ وَبِقَيْلُولَةِ النَّهَارِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ» ، وَالسَّحُورُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمَأْكُولُ فِي السَّحَرِ وَبِضَمِّهَا الْأَكْلُ حِينَئِذٍ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: كَأَصْلِهَا وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ السَّحَرَ لُغَةً قُبَيْلَ الْفَجْرِ وَمِنْ ثَمَّ خَصَّهُ ابْنُ أَبِي الصَّيْفِ بِالسُّدُسِ الْأَخِيرِ وَيَحْصُلُ بِقَلِيلِ الْمَطْعُومِ وَكَثِيرِهِ لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَةِ مَاءٍ» (وَ) نُدِبَ (الْبُطْءُ) بِهِ أَيْ تَأْخِيرُهُ لِخَبَرِ «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ» ؛ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّقَوِّي عَلَى الْعِبَادَةِ وَقَيَّدَهُ بِمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ: (لَا إنْ شَكَّك التَّأْخِيرُ) فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك»

(وَ) نُدِبَ (الْغُسْلُ قَبْلَ صُبْحِهِ إنْ أَجْنَبَا) ، أَوْ انْقَطَعَ حَيْضُهُ، أَوْ نِفَاسُهُ لَيْلًا لِيُؤَدِّيَ الْعِبَادَةَ عَلَى الطَّهَارَةِ وَلَا يَفْسُدُ بِتَأْخِيرِهِ الصَّوْمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: ١٨٧] الْآيَةَ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ» وَأَمَّا خَبَرُ الْبُخَارِيِّ «مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صَوْمَ لَهُ» فَحَمَلُوهُ عَلَى مَنْ أَصْبَحَ مُجَامِعًا وَاسْتَدَامَ الْجِمَاعُ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى النَّسْخِ وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ

(وَ) نُدِبَ (تَرْكُ حَجْمٍ) وَفَصْدٍ وَنَحْوِهِمَا تَحَرُّزًا عَنْ إضْعَافِ الْبَدَنِ وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ فِي الْفِطْرِ بِذَلِكَ وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي دَاوُد «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ، وَالْمَحْجُومُ» فَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ، وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ» وَبِأَنَّ خَبَرَ الْبُخَارِيِّ أَصَحُّ وَيُعَضِّدُهُ أَيْضًا الْقِيَاسُ

(وَ) نُدِبَ تَرْكُ (تَشَهٍّ) أَيْ شَهَوَاتٍ لَا تُبْطِلُ الصَّوْمَ كَشَمِّ الرَّيَاحِينِ، وَالنَّظَرِ إلَيْهَا وَلَمْسِهَا وَذَلِكَ بِكَفِّ الْجَوَارِحِ عَنْهَا لِمَا فِي ارْتِكَابِهَا مِنْ التَّرَفُّهِ الَّذِي لَا يُنَاسِبُ حِكْمَةَ الصَّوْمِ وَلْيَصُنْ لِسَانَهُ عَنْ الْكَذِبِ، وَالْغِيبَةِ لِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَوْلُ النَّظْمِ مِنْ زِيَادَتِهِ (نَدْبًا) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ تَأْكِيدٌ وَتَكْمِلَةٌ وَقَدْ يُوهِمُ أَنَّ مَا بَعْدَهُ لَيْسَ مَنْدُوبًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ

(وَ) نُدِبَ تَرْكُ (عَلْكِهِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ مَضْغِهِ بَلْ يُكْرَهُ فِعْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الرِّيقَ فَإِنْ ابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ فِي وَجْهٍ وَإِنْ أَلْقَاهُ عَطَّشَهُ

(وَ) نُدِبَ تَرْكُ (ذَوْقِهِ) الطَّعَامَ، أَوْ غَيْرَهُ خَوْفَ وُصُولِهِ إلَى حَلْقِهِ

(وَ) تَرْكُ (الْقُبْلَةِ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الشَّهَوَاتِ وَخَصَّهَا كَغَيْرِهِ بِالذِّكْرِ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: وَلَوْ بِجَرْعَةِ مَاءٍ) وَظَاهِرٌ وَهُوَ صَرِيحُ هَذَا الْكَلَامِ حُصُولُهُ بِجَرْعَةٍ مِنْ نَحْوِ مَاءِ الْوَرْدِ وَعَجِيبٌ مِنْ التَّوَقُّفِ فِيهِ

(قَوْلُهُ وَتَرْكُ حَجْمٍ وَفَصْدٍ) قَالَ: فِي الرَّوْضِ وَيُكْرَهَانِ لَهُ قَالَ: فِي شَرْحِهِ وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ وَجَزَمَ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ: ذَلِكَ خِلَافُ الْأُولَى قَالَ: الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ فَلْتَكُنْ الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمِنْهَاجِ وَأَصْلِهِ وَجَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ بِأَنَّهُ: يُكْرَهُ أَنْ يَحْجُمَ غَيْرَهُ أَيْضًا

(قَوْلُهُ: حِكْمَةَ الصَّوْمِ) قَالَ: فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَيُكْرَهُ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ دُخُولُ الْحَمَّامِ

(قَوْلُهُ: فَإِنْ ابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ فِي وَجْهٍ) يُفِيدُ أَنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ ابْتِلَاعَ الرِّيقِ بَعْدَ مُخَالَطَتِهِ فِي الْفَمِ بِشَيْءٍ جَامِدٍ لَمْ يَنْفَصِلْ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الرِّيقِ لَا يَضُرُّ حَيْثُ كَانَ الِابْتِلَاعُ بِدُونِهِ أَعْنِي الرِّيقَ إلَى خَارِجِ الْفَمِ فَلْيُحْفَظْ ذَلِكَ فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ زَعَمَ الْفِطْرَ بِهِ

(قَوْلُهُ: وُصُولِهِ إلَى حَلْقِهِ) أَيْ مَا يُفْطِرُ الْوَاصِلُ إلَيْهِ مِنْهُ

ــ

[حاشية الشربيني]

وَالْمَأْكُولُ مَجَازًا اهـ.

إيعَابٌ (قَوْلُهُ: بَرَكَةٌ) أَيْ لِلتَّنْشِيطِ عَلَى الصَّوْمِ وَإِقَامَةِ السُّنَّةِ وَمُخَالَفَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ اهـ.

إيعَابٌ

(قَوْلُهُ: لِيُؤَدِّيَ الْعِبَادَةَ إلَخْ) لَوْ احْتَلَمَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ فَهَلْ الْأَوْلَى الِاغْتِسَالُ حَالًا مُرَاعَاةً لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، أَوْ تَأْخِيرُهُ إلَى الْإِفْطَارِ مُرَاعَاةً لِخَوْفِ دُخُولِ الْمَاءِ أُذُنَيْهِ؟ وَمُقْتَضَى أَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ يُقَدِّمُ مُرَاعَاةَ الثَّانِيَةِ وَبِهِ جَزَمَ حَجَرٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا خَبَرُ الْبُخَارِيِّ إلَخْ) هُوَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنَّهُ رَجَعَ كَمَا صَحَّ عَنْهُ وَقَالَ هُمَا أَيْ عَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ أَعْلَمُ وَقَالَ: سَمِعْت ذَلِكَ أَيْ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ مِنْ الْفَضْلِ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الرَّاوِي فَرَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَمَّا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ اهـ.

مَدَنِيٌّ (قَوْلُهُ: وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ إنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْسُوخٌ فَإِنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ حِينَ كَانَ الْجِمَاعُ مُحَرَّمًا فِي اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَعْلَمْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فَكَانَ يُفْتِي بِمَا عَلِمَهُ حَتَّى بَلَغَهُ النَّاسِخُ فَرَجَعَ إلَيْهِ قَالَ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِيهِ

(قَوْلُهُ: فِي الْفِطْرِ بِذَلِكَ) ظَاهِرُهُ الْحَجْمُ، وَالْفَصْدُ لَكِنْ فِي الْخَادِمِ لِلزَّرْكَشِيِّ أَنَّ الْمُفْصِدَ لَا يُفْطِرُ بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ الْإِمَامُ لَا خِلَافَ فِيهِ اهـ.

مَدَنِيٌّ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ) أَيْ بِنَاءً عَلَى اتِّحَادِهِمَا دَرَجَةً فِي التَّصْحِيحِ اهـ.

(قَوْلُهُ: أَيْ شَهَوَاتٍ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ لِلصَّائِمِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَزَيُّنٌ بِطِيبٍ وَنَحْوِهِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ تَرْكُ شَهْوَةٍ تُرِيدُهَا النَّفْسُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا شَهْوَةً لَا مِنْ حَيْثُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ بِطَلَبِهَا وَلَعَلَّ هَذَا أَقْرَبُ اهـ.

حَجَرٌ فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ: أَيْ شَهَوَاتٍ) فِي الْعُبَابِ شَمُّ مَا يَصِلُ رِيحُهُ إلَى دِمَاغِهِ مَكْرُوهٌ وَفِي الْإِيعَابِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمُشْتَهَيَاتِ مِنْ الرَّيَاحِينِ وَغَيْرِهَا عِلَّتُهُ وُصُولُ الرِّيحِ إلَى الدِّمَاغِ اهـ.

فَحَرِّرْهُ (قَوْلُهُ: وَلْيَصُنْ لِسَانَهُ) أَيْ يُنْدَبُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فِي نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ لَأَفْسَدَهُ كَمَا فِي الِاسْتِقَاءَةِ اهـ.

مَحَلِّيٌّ

(قَوْلُهُ: بَلْ يُكْرَهُ) أَيْ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِالْفِطْرِ وَمَا بَعْدَهُ تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: تَرْكُ ذَوْقِهِ الطَّعَامَ) أَيْ لَا لِغَرَضِ إصْلَاحِهِ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ مُفْطِرٌ اهـ. ع ش وَمِثْلُهُ مَضْغُ الطَّعَامِ لِطِفْلٍ لَيْسَ لَهُ مَنْ يَقُومُ بِهِ، أَوْ التَّمْرِ لِتَحْنِيكِهِ بِهِ اهـ.

مَدَنِيٌّ وَلَوْ وَصَلَ حِينَئِذٍ قَهْرًا

<<  <  ج: ص:  >  >>