لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ؛ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِصَوْنِ النَّفْسِ عَنْ ارْتِكَابِ مَا لَا يَلِيقُ
(وَ) سُنَّ لَهُ (كَثْرَةُ) تِلَاوَةِ (الْقُرْآنِ) فِي رَمَضَانَ وَمُدَارَسَتُهُ بِأَنْ يَقْرَأَ عَلَى غَيْرِهِ وَيَقْرَأَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ فَقَدْ «كَانَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَلْقَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (وَ) كَثْرَةُ (التَّهَجُّدِ) فِيهِ أَيْ التَّطَوُّعُ لَيْلًا قَالَ تَعَالَى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: ٧٩] وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إلَى رَبِّكُمْ وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ وَمَنْهَاةٌ عَنْ الْإِثْمِ» (وَلَا كَعَشْرِ آخِرِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ أَيْ وَلَا سِيَّمَا فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ (فِي الشَّهْرِ) أَيْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ أَوْلَى مِنْ بَقِيَّةِ الشَّهْرِ بِكَثْرَةِ الصَّدَقَةِ، وَالْقِرَى، وَالِاعْتِكَافِ، وَالْقِرَاءَةِ، وَالتَّهَجُّدِ لِطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ أَيْ الْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ؛ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَجْتَهِدُ فِيهِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ» فَكَافُ كَعَشْرٍ بِمَعْنَى سِيٍّ وَبِهَا عَبَّرَ الْحَاوِي فَقَالَ: سِيَّمَا الْعَشْرِ الْأَخِيرِ بِدُونِ لَا عَلَى مَا اسْتَعْمَلَهُ بَعْضُ الْمُصَنَّفِينَ وَإِلَّا فَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ بِدُونِهَا وَذَكَرَ شِبْهَ قَوْلِهِ لِشَاتِمِهِ: إنِّي صَائِمٌ، وَالْقِرَى لِلصَّائِمِينَ وَكَثْرَةِ التَّهَجُّدِ وَتَأَكُّدِهِ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ وَلَفْظُ الْمَسْجِدِ مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ، وَالْقِرَى غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْ الصَّدَقَةِ لِاشْتِرَاطِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ فِيهَا بِخِلَافِ الْقِرَى وَنَصَّ عَلَى الصَّائِمِينَ اهْتِمَامًا بِهِمْ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِمْ، وَالْقِرَى لَهُمْ آكِدٌ
(وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ) وَهِيَ أَفْضَلُ لَيَالِي الْعَامِ وَفِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ وَخَصَّ اللَّهُ بِهَا هَذِهِ الْأُمَّةَ كَائِنَةً (بِهَذَا الْعَشْرِ) وَأَرْجَاهَا أَوْتَارُهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ» (قُلْت وَفِي انْتِقَالِهَا) مِنْ لَيْلَةٍ إلَى أُخْرَى وَلُزُومِهَا لَيْلَةً بِعَيْنِهَا (أَقْوَالٌ جَامِعَةٌ) أَيْ عَظِيمَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: قَدْرٌ جَامِعَةٌ فَقَالَ الْمُزَنِيّ وَجَمَاعَةٌ بِانْتِقَالِهَا وَاخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ وَحَثًّا عَلَى إحْيَاءِ جَمِيعِ لَيَالِي الْعَشْرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ
ــ
[حاشية العبادي]
أَيْ الْقِرَى لَعَلَّ التَّقْيِيدَ بِالْقِرَى مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي إكْرَامِهِمْ وَجَبْرِ خَوَاطِرِهِمْ لَا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي أَصْلِ طَلَبِ الْقِرَى فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: فَقَدْ كَانَ إلَخْ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى حِفْظِ السَّيِّدِ جِبْرِيلَ الْقُرْآنَ (قَوْلُهُ: وَلَا كَعَشْرٍ) يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْكَافُ اسْمًا بِمَعْنَى، مِثْلُ اسْمِ لَا، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ وَلَا مِثْلَ عَشْرٍ آخَرَ فِي الشَّهْرِ فِي تَأَكُّدِ ذَلِكَ فِيهِ مَوْجُودٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَرْفًا، وَالْجَارُّ، وَالْمَجْرُورُ خَبَرُ لَا وَاسْمُهَا مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ وَلَا شَيْءَ مِنْ أَجْزَاءِ الشَّهْرِ كَعَشْرٍ إلَخْ فَلْيُتَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ: وَالْقِرَى غَيْرُ مُسْتَفَادٍ إلَخْ) جَوَابُ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الصَّدَقَةِ فَلَيْسَ مِنْ زِيَادَتِهِ (قَوْلُهُ: لِاشْتِرَاطِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ) اُنْظُرْ هَلْ يُطَابِقُ هَذَا مَا قَالَهُ فِي بَابِ الْهِبَةِ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ إمَّا الْحَاجَةُ، أَوْ قَصْدُ الثَّوَابِ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ الصَّدَقَةَ تَشْمَلُ نَحْوَ عِتْقٍ وَنَذْرٍ وَزَكَاةٍ مَعَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَصْدُ الْقُرْبَةِ فَيَشْمَلُ الضِّيَافَةَ كَذَلِكَ حَجَرٌ
(قَوْلُهُ: وَفِي انْتِقَالِهَا إلَخْ) لَك أَنْ تَقُولَ: الَّذِي فِي انْتِقَالِهَا وَلُزُومِهَا لَيْلَةً بِعَيْنِهَا قَوْلَانِ لَا أَقْوَالٌ فَالِانْتِقَالُ قَوْلٌ، وَاللُّزُومُ آخَرُ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ: الْمُرَاد بِقَوْلِهِ: وَلُزُومِهَا الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ وَهُوَ مُرَادٌ لِلْمُصَنِّفِ مَفْهُومٌ مِنْ ذِكْرِهِ مُقَابَلَةَ أَعَمَّ مِنْ أَصْلِ اللُّزُومِ وَمِنْ تَعْيِينِ اللَّيْلَةِ الَّتِي يَلْزَمُهَا فَتَأَمَّلْهُ فَحَاصِلُ الْمَعْنَى وَفِي انْتِقَالِهَا وَلُزُومِهَا وَتَعْيِينِ مَا تَلْزَمُهُ أَقْوَالٌ فَلْيُتَأَمَّلْ
ــ
[حاشية الشربيني]
هـ.
مَدَنِيٌّ وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَيَجُوزُ نَصْبُهُ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ أَجْوَدُ أَكْوَانِهِ أَيْ أَوْقَاتِهِ، أَوْ أَحْوَالِهِ اهـ.
وَتَأَمَّلْ مَا نُقِلَ عَنْهُمَا اهـ.
فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ وَكَانَ حَالُهُ فِي رَمَضَانَ أَجْوَدَ أَحْوَالِهِ
(قَوْلُهُ: وَيَقْرَأَ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرَ مَا قَرَأَهُ فَهُوَ أَوْلَى وَسَوَّى بَيْنَهُمَا حَجَرٌ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ اهـ.
لَكِنْ رَجَّحَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ الْإِدَارَةَ وَهِيَ أَنْ يَقْرَأَ بَعْضُ الْجَمَاعَةِ قِطْعَةً ثُمَّ الْبَعْضُ قِطْعَةً بَعْدَهَا لِمَا فِي التِّبْيَانِ أَنَّ الْإِدَارَةَ سُنَّةٌ (قَوْلُهُ: فَيُدَارِسُهُ) لَعَلَّ سَمَاعَ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِرَاءَتَهُ هُوَ لَمْ يَكُونَا لِكَوْنِهِ حَافِظًا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ؛ لِأَنَّ حِفْظَهُ كَذَلِكَ مِنْ خَوَاصِّ الْبَشَرِ بَلْ لِكَوْنِهِ كُشِفَ لَهُ عَنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، أَوْ أُلْهِمَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ اهـ.
ق ل (قَوْلُهُ: أَيْ وَلَا سِيَّمَا إلَخْ) كَلِمَةٌ تُفِيدُ أَنَّ مَا بَعْدَهَا أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِمَّا قَبْلَهَا إلَّا أَدَاةُ اسْتِثْنَاءٍ وَهِيَ تُشَدَّدُ وَتُخَفَّفُ وَمَعْنَاهُ الْمِثْلُ وَمَا مَوْصُولَةٌ، أَوْ زَائِدَةٌ وَيَجُوزُ رَفْعُ مَا بَعْدَهَا خَبَرُ الْمَحْذُوفِ وَنَصْبُهُ بِمَحْذُوفٍ وَجَرُّهُ بِالْإِضَافَةِ وَهُوَ أَرْجَحُ اهـ.
ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ م ر عَلَى قَوْلِ الْمِنْهَاجِ لَا سِيَّمَا فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ قَالَ الرَّشِيدِيُّ عَلَى م ر وَاعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَا فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَمَّا فِيهَا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ كَوْنُ مَا مَوْصُولَةً، وَالْجَارِّ، وَالْمَجْرُورِ صِلَتَهَا فَلَا مَحَلَّ لَهُ مِنْ الْإِعْرَابِ، وَالتَّقْدِيرِ لَا مِثْلُ الِاعْتِكَافِ الَّذِي فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فِي الْفَضِيلَةِ مَوْجُودٌ اهـ.
وَعِبَارَةُ الشَّرْحِ هُنَا كَعِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ فَفِيهَا مَا فِيهَا اهـ.
وَلَا يُنَافِي مَا ذُكِرَ، مَا نُقِلَ أَنَّ مُدَارَسَةَ النَّبِيِّ وَجِبْرِيلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - كَانَتْ بِقِرَاءَةِ كُلِّ مَا قَرَأَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِحَاجَةٍ وَهُوَ عِلْمُ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا اسْتَعْمَلَهُ إلَخْ) قَالَ حَجَرٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ إنَّ حَذْفَ لَا لَحْنٌ اهـ.
وَأَظُنُّ فِيهِ شَيْئًا رَاجِعْ حَوَاشِي الْمُغْنِي
(قَوْلُهُ: وَفِيهَا يُفْرَقُ إلَخْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: ٣] إلَى قَوْلِهِ: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: ٤] مَعَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: ١] إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ الْإِنْزَالُ كَمَا قِيلَ (قَوْلُهُ: بِانْتِقَالِهَا) أَيْ فِي جَمِيعِ لَيَالِي الْعَشْرِ وَعَلَيْهِ فَقِيلَ تَنْتَقِلُ كُلَّ سَنَةٍ إلَى لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الْعَشْرِ وَقِيلَ لَا بِقَيْدِ كُلِّ سَنَةٍ لِجَوَازِ تَوَالِي عَامَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فَقَدْ حَكَوْا فِيهَا نَحْوَ ثَلَاثِينَ قَوْلًا اهـ.
شَيْخُنَا ذ (قَوْلُهُ: وَحَثًّا إلَخْ)