بِلُزُومِهَا لَيْلَةً بِعَيْنِهَا فَقَالَ: فِي مَوْضِعٍ أَنَّهَا لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ وَفِي آخَرَ أَنَّهَا لَيْلَةُ الثَّالِثِ، وَالْعِشْرِينَ وَدَلِيلُ قَوْلِ الْأَوَّلِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَالثَّانِي فِي مُسْلِمٍ وَجَمَعَ فِي الْمُخْتَصَرِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: وَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ فِي لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ، أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ إنَّهَا لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ آخِرَ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ.
وَقِيلَ إنَّهَا فِي غَيْرِ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ فَقِيلَ أَنَّهَا فِي لَيْلَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَقِيلَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَقِيلَ لَيْلَةَ النِّصْفِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَهِيَ بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرِ الْبُخَارِيِّ «فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ فَالْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ، وَالتِّسْعِ» فَالْمُرَادُ رَفْعُ عِلْمِ عَيْنِهَا وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ رَفْعَ وُجُودِهَا لَمْ يَأْمُرْ بِالْتِمَاسِهَا وَعَلَامَتُهَا أَنَّهَا طَلْقَةٌ لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ وَتَطْلُعُ الشَّمْسُ صَبِيحَتَهَا بَيْضَاءَ لَيْسَ فِيهَا كَثِيرُ شُعَاعٍ وَفِي حِكْمَتِهِ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا عَلَامَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ لَهَا. ثَانِيهمَا أَنَّ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ اخْتِلَافِ الْمَلَائِكَةِ فِي لَيْلَتِهَا وَنُزُولِهَا إلَى الْأَرْضِ وَصُعُودِهَا بِمَا تَنْزِلُ بِهِ فَسَتَرَتْ بِأَجْنِحَتِهَا وَأَجْسَامِهَا اللَّطِيفَةِ ضَوْءَ الشَّمْسِ وَشُعَاعَهَا وَيَجْتَهِدُ فِي يَوْمِهَا كَلَيْلَتِهَا وَيُسَنُّ لِمَنْ رَآهَا كَتْمُهَا وَأَنْ يُكْثِرَ فِيهَا مِنْ قَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ إنَّك عَفْوٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي»
(وَيَحْرُمُ الْوِصَالُ) فِي الصَّوْمِ نَفْلًا كَانَ، أَوْ فَرْضًا لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ وَلَا يَتَنَاوَلُ بِاللَّيْلِ مَطْعُومًا عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْجِمَاعَ وَنَحْوَهُ يَمْنَعُ الْوِصَالَ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْوِصَالِ لِلضَّعْفِ، وَتَرْكَ الْجِمَاعِ وَنَحْوِهِ لَا يُضْعِفُ بَلْ يُقَوِّي لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ هُوَ أَنْ يَسْتَدِيمَ جَمِيعَ أَوْصَافِ الصَّائِمِينَ وَذَكَرَ الْجُرْجَانِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ نَحْوَهُ قَالَ: وَتَعْبِيرُ الرَّافِعِيِّ بِأَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْإِمْسَاكِ كَتَارِكِ النِّيَّةِ لَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ لَيْلًا مِنْ تَعَاطِي الْمُفْطِرِ وِصَالًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ صَوْمَيْنِ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ
(وَلْيُبِحْ الْفِطْرَ) مِنْ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ (هَلَاكٌ حَذَرًا) أَيْ حَذَرَ الْهَلَاكِ مِنْهُ أَيْ خَوْفَهُ عَلَى نَفْسٍ، أَوْ عُضْوٍ، أَوْ مَنْفَعَةٍ مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ كَأَنْ رَأَى غَرِيقًا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إنْقَاذِهِ إلَّا بِفِطْرِهِ وَلَا يُنَافِي التَّعْبِيرَ بِالْإِبَاحَةِ مَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ وُجُوبِ الْفِطْرِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تُجَامِعُهُ
(وَ) يُبِيحُهُ (مَرَضٌ) يُبِيحُ التَّيَمُّمَ كَمَا ذَكَرَهُ مِنْ زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ: (كَمَا مَضَى) فِي بَابِ التَّيَمُّمِ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ} [البقرة: ١٨٥] أَيْ فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، ثُمَّ إنْ أَطْبَقَ الْمَرَضُ، أَوْ تَقَطَّعَ وَكَانَ يُوجَدُ وَقْتَ الشُّرُوعِ جَازَ تَرْكُ النِّيَّةِ وَإِلَّا فَلَا (وَإِنْ طَرَأَ) أَيْ الْمَرَضُ وَلَوْ بِتَعَدٍّ بَعْدَ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: أَيْ حَذَرَ الْهَلَاكِ مِنْهُ) أَيْ الصَّوْمِ إنْ ضُبِطَ حُذِرَ فِعْلًا مَاضِيًا مُبِينًا لِلْمَفْعُولِ أَشْكَلَ التَّرْكِيبُ كَمَا لَا يَخْفَى فَالْأَصْوَبُ ضَبْطُهُ مَصْدَرًا مُضَافًا لِلْهَلَاكِ وَجُعِلَ ضَمِيرُ مِنْهُ لِلصَّوْمِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الضَّبْطِ بَلْ يُعَيِّنُهُ قَوْلُهُ: أَيْ خَوْفَهُ إلَخْ فَتَأَمَّلْهُ سم (قَوْلُهُ: كَأَنْ رَأَى غَرِيقًا) قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَرَدَّهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّهُ: يُؤَدِّي إلَى التَّوَاكُلِ بِرّ
(قَوْلُهُ: وَمَرَضٌ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مَرَضٌ يُخْشَى مِنْ الصَّوْمِ مَعَهُ مَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ (قَوْلُهُ: كَمَا مَضَى) نَعْتُ مَرَضٌ (قَوْلُهُ: وَكَأَنْ يُوجَدَ إلَخْ) أَيْ عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ ذَلِكَ بِرّ (قَوْلُهُ: وَقْتَ الشُّرُوعِ) ظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ قُبَيْلَ الْفَجْرِ دُونَ مَا قَبْلَ ذَلِكَ وَقَدْ يُوجَدُ بِعَدَمِ وُجُوبِ تَقْدِيمِ النِّيَّةِ عَلَيْهِ فَلْيُرَاجَعْ وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ إنْ خَفَّ مَرَضُهُ قُبَيْلَ الْفَجْرِ
ــ
[حاشية الشربيني]
فِي كَوْنِهِ مُرَجِّحًا؛ لِذَلِكَ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مُوَافَقَةً لِغَرَضِ الشَّارِعِ مِنْ الْحَثِّ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَقَالَ فِي مَوْضِعٍ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ أَرْجَى اللَّيَالِي عِنْدَهُ لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ، أَوْ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ أَيْ أَرْجَى لَيَالِي الْأَوْتَارِ ذَلِكَ كَمَا نَقَلَهُ شَيْخُنَا ذ فَلَيْسَا قَوْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ) فَقَدْ حَكَوْا فِيهَا نَحْوَ ثَلَاثِينَ قَوْلًا اهـ.
شَيْخُنَا ذ (قَوْلُهُ: إنَّهَا عَلَامَةٌ إلَخْ) وَفَائِدَةُ تِلْكَ الْعَلَامَةِ أَعْنِي طُلُوعَ الشَّمْسِ إلَخْ بَعْدَ فَوَاتِ اللَّيْلَةِ الِاجْتِهَادُ فِي يَوْمِهَا فَإِنَّهُ مَطْلُوبٌ كَمَا فِي لَيْلَتِهَا وَكَذَا اسْتِفَادَةُ مَعْرِفَتِهَا فِي بَاقِي الْأَعْوَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ اهـ.
شَيْخُنَا ذ (قَوْلُهُ: وَسُنَّ لِمَنْ رَآهَا كَتْمُهَا) أَيْ؛ لِأَنَّهَا كَرَامَةٌ، وَالْكَرَامَاتُ كُلُّهَا يَنْبَغِي كَتْمُهَا إلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ اهـ.
نَاشِرِيٌّ عَنْ السُّبْكِيّ
(قَوْلُهُ: وَلَا يَتَنَاوَلُ إلَخْ) أَيْ مَعَ قَصْدِ الْقُرْبَةِ بِهِ فَإِنَّهُ تَرَكَ الْمُفْطِرَ لَيْلًا لَا عَلَى قَصْدِ الْوِصَالِ، وَالتَّقَرُّبِ بِهِ لَمْ يَضُرَّ قَالَهُ فِي الْحِلْيَةِ وَمِثْلُهُ الْبَغَوِيّ وَخَالَفَ الْإِمَامُ فَقَالَ: يَحْرُمُ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ أَيْ لِلضَّعْفِ عَنْ الْعِبَادَاتِ أَيْ شَأْنُهُ فَلَا يُنَافِي أَنَّ تَعَاطِي نَحْوِ سِمْسِمَةٍ يَمْنَعُهُ مَعَ حُصُولِ الضَّعْفِ أَوْ يَكُونُ تَحْرِيمُهُ تَعَبُّدِيًّا اهـ.
شَرْحُ الْعُبَابِ لِحَجَرٍ وَجَزَمَ فِي التُّحْفَةِ بِمَقَالَةِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ إلَخْ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ كَلَامُهُمْ كَالصَّرِيحِ فِيهِ (قَوْلُهُ: لِلضَّعْفِ) أَيْ عَنْ أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ (قَوْلُهُ: لَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ حَجَرٌ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ: إنَّ الْمُحَرَّمَ الْإِمْسَاكُ بَيْنَ صَوْمَيْنِ
(قَوْلُهُ: وَيُبِيحُهُ مَرَضٌ إلَخْ) أَيْ يَجِبُ أَخْذًا مِنْ تَفْسِيرِ الْمَرَضِ بِمَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ وَمَا لَا يُبِيحُهُ يَجُوزُ فِيهِ الْفِطْرُ حَيْثُ شَقَّ التَّصَرُّفُ مَعَ الصَّوْمِ مَشَقَّةً لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً وَنُقِلَ عَنْ م ر أَنَّ مَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ مُجَوِّزٌ لَا مُوجِبٌ وَمَا لَا يُبِيحُهُ لَا يَجُوزُ مَعَهُ الْفِطْرُ وَإِنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ خَوْفِ الْهَلَاكِ وَلَمْ يَرْتَضِهِ شَيْخُنَا ز ي، وَالْوَجْهُ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا اهـ.
ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَوَافَقَ حَجَرٌ ز ي، ثُمَّ إنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي كَوْنِ الْمَرَضِ مُبِيحًا لِلْفِطْرِ قَوْلُ طَبِيبٍ عَدْلٍ مُسْلِمٍ كَمَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ اهـ.
شَيْخُنَا ذ (قَوْلُهُ: وَكَأَنْ يُوجَدُ وَقْتَ الشُّرُوعِ)