للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«وَرَخَّصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ أَنْ يَتْرُكُوا الْمَبِيتَ بِمِنًى» . رَوَى الْأَوَّلَ الشَّيْخَانِ وَالثَّانِيَ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ

وَلَهُمْ أَنْ يَدَعُوا رَمْيَ يَوْمٍ أَوْ يَقْضُوهُ فِي تَالِيهِ قَبْلَ رَمْيِهِ لَا رَمْيَ يَوْمَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ وَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَالرِّعَاءُ بِمِنًى لَزِمَهُمْ مَبِيتُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَالرَّمْيُ مِنْ الْغَدِ بِخِلَافِ أَهْلِ السِّقَايَةِ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ بِاللَّيْلِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يُسَمَّى يَوْمَ الْقُرِّ وَالثَّانِي يَوْمَ النَّفْرِ.

(وَحَلَّلُوا) أَيْ: الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ (بِاثْنَيْنِ مِنْ حَلْقٍ) أَوْ تَقْصِيرٍ (ذِكْرَ) أَيْ: مَرَّ (وَرَمْيِ) يَوْمِ (نَحْرٍ وَطَوَافٍ) مَعَ سَعْيٍ إنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ سَعْيٌ (مَا حُظِرْ) أَيْ: حَلَّلُوا بِفِعْلِ اثْنَيْنِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَا مُنِعَ بِالْإِحْرَامِ مِنْ اللُّبْسِ وَالْحَلْقِ وَالْقَلْمِ وَسَتْرِ رَأْسِ الرَّجُلِ وَوَجْهِ الْمَرْأَةِ وَالصَّيْدِ وَالطِّيبِ الْآتِي بَيَانُهَا.

بَلْ يُسَنُّ التَّطَيُّبُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» وَاحْتَجُّوا لِلتَّحَلُّلِ بِمَا ذُكِرَ بِخَبَرِ «إذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ الطِّيبُ وَالثِّيَابُ وَكُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَضَعَّفُوهُ وَاَلَّذِي صَحَّ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ» فَالْمُخْتَارُ دَلِيلًا حُصُولُ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ بِالرَّمْيِ وَحْدَهُ (لَا الْوَطْءَ) فَلَا يَحِلُّ (إلَّا بِالثَّلَاثِ) حَيْثُ (تَجْرِي) أَيْ: تُفْعَلُ أَيْ: إلَّا بِفِعْلِهَا فَلَوْ فَاتَ الرَّمْيُ تَوَقَّفَ التَّحَلُّلُ عَلَى بَدَلِهِ وَلَوْ صَوْمًا كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ التَّوَقُّفِ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَنَقَلَ فِي الْكِفَايَةِ فِيهِ عَنْ بَعْضِهِمْ الْإِجْمَاعَ قَالَ فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْفَرْقُ عَلَى الْأَوَّلِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمُحْصَرِ إذَا عُدِمَ الْهَدْيُ فَإِنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ تَوَقُّفِ التَّحَلُّلِ عَلَى بَدَلِهِ وَهُوَ الصَّوْمُ.

قُلْنَا الْفَرْقُ أَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا أُبِيحَ لِلْمُحْصَرِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَتَضَرَّرَ بِالْمُقَامِ عَلَى الْإِحْرَامِ فَلَوْ أَمَرْنَاهُ بِالصَّبْرِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ بِالْبَدَلِ لَتَضَرَّرَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ النَّاظِمِ أَنَّهُ يَحِلُّ بِاثْنَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ عَقْدِ النِّكَاحِ وَالتَّمَتُّعِ بِشَهْوَةٍ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَهُوَ الْمُصَحَّحُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ فِيهِمَا وَفِي الْمُحَرَّرِ فِي الْعَقْدِ لَكِنَّ الْمَحْكِيَّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ تَحْرِيمُهُمَا وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَاسْتَدْرَكَ فِي الْمِنْهَاجِ عَلَى الْمُحَرَّرِ فَصَحَّحَ التَّحْرِيمَ. وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ لِلْحَجِّ تَحَلُّلَيْنِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِطُولِ زَمَنِهِ وَكَثْرَةِ أَفْعَالِهِ كَالْحَيْضِ لَمَّا طَالَ زَمَنُهُ جُعِلَ لَهُ تَحَلُّلَانِ انْقِطَاعُ الدَّمِ وَالْغُسْلُ بِخِلَافِ الْعُمْرَةِ لَيْسَ لَهَا إلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ لِقِصَرِ زَمَنِهَا كَالْجَنَابَةِ.

(وَوَقْتُهَا) أَيْ: الثَّلَاثَةِ لِمَنْ وَقَفَ يَدْخُلُ (مِنْ نِصْفِ لَيْلِ النَّحْرِ) أَمَّا الرَّمْيُ فَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَ أُمَّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَرَمَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَفَاضَتْ» وَقِيسَ عَلَى الرَّمْيِ الْآخَرَانِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ وَيَبْقَى وَقْتُ الرَّمْيِ إلَى آخِرِ يَوْمِ النَّحْرِ اخْتِيَارًا وَآخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ جَوَازًا كَمَا مَرَّ.

وَالْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهَا وَفِعْلُهَا يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ وَيُسَنُّ تَرْتِيبُهَا بِأَنْ يَرْمِيَ ثُمَّ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ ثُمَّ يَطُوفَ طَوَافَ الرُّكْنِ وَيُسَنُّ لِمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَذْبَحَهُ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ (وَبِالْفَرَاغِ حِلُّهَا) أَيْ: الْمَحْظُورَاتِ الْمَفْهُومَةِ مِمَّا حُظِرَ بِرِعَايَةِ مَعْنَى مَا بَعْدَ رِعَايَةِ لَفْظِهَا أَيْ: وَحِلُّهَا (فِي الْمُعْتَمِرْ) بِفَرَاغِهِ مِنْ عَمَلِ عُمْرَتِهِ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ لِمَا مَرَّ وَيُسَنُّ لِمَنْ فَرَغَ مِنْ الرَّمْيِ أَنْ يَنْزِلَ الْمُحَصَّبَ وَيُصَلِّيَ بِهِ الْعَصْرَيْنِ وَالْمَغْرِبَيْنِ وَيَبِيتَ بِهِ لَيْلَةَ الرَّابِعَ عَشَرَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ فَلَوْ تَرَكَ النُّزُولَ بِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي نُسُكِهِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَتْ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ.

(وَبِالطَّوَافِ لِلْوَدَاعِ قَدْ أُمِرْ) أَيْ: وَأُمِرَ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: لَا رَمْيَ يَوْمَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ) هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِوَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ أَنَّ وَقْتَ الْجَوَازِ يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ لَا يُرَخَّصُ لِلرِّعَاءِ فِي تَرْكِ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ أَيْ فِي تَأْخِيرِهِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَخَّصُ لَهُ فِي الْخُرُوجِ عَنْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ شَرْحُ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ: مَبِيتُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ) قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي كَذَلِكَ حُكْمُ مَبِيتِ مُزْدَلِفَةَ اهـ بِرّ. (قَوْلُهُ: وَالرَّمْيُ مِنْ الْغَدِ) لُزُومُ هَذَا بِمَعْنَى اسْتِقْرَارِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَلَا يُنَافِي أَنَّ جَمِيعَ الْأَيَّامِ وَقْتُ جَوَازٍ.

. (قَوْلُهُ: مِنْ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَبِتْ بِمُزْدَلِفَةَ بِأَنْ لَمْ يَمُرَّ عَلَيْهَا فِي النِّصْفِ الثَّانِي وَلَا عَادَ إلَيْهَا فِيهِ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ رِعَايَةِ لَفْظِهَا) فِي قَوْلِهِ خَطَرٌ.

. (قَوْلُهُ: نَعَمْ يُسَنُّ لَهُ إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَاجِّ وَغَيْرِهِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ عَرَفَةَ وَالتَّنْعِيمِ الْآتِي أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْوَدَاعُ لِلْخَارِجِ لِلْإِحْرَامِ مِنْهُ -

ــ

[حاشية الشربيني]

عَنْ اسْتِظْهَارِ حَجَرٍ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْإِيضَاحِ. اهـ. جَمَلٌ عَلَى الْمَنْهَجِ. (قَوْلُهُ: وَرَخَّصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ إلَخْ) فِي شَرْحِ الْعُبَابِ لِحَجَرٍ لِخَبَرِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ أَنْ يَتْرُكُوا الْمَبِيتَ بِمِنًى وَأَنْ يَرْمُوا يَوْمًا وَيَدْعُوا يَوْمًا ثُمَّ يَتَدَارَكُونَهُ» اهـ وَإِذَا عَطَفْت هَذَا عَلَى مَا مَرَّ ظَهَرَ الْحَالُ جِدًّا تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ لَزِمَهُمْ إلَخْ) أَيْ: مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُذْرٌ آخَرُ كَخَوْفٍ عَلَى مَالٍ مَثَلًا فَهُمْ فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِمْ.

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ أَهْلِ السِّقَايَةِ إلَخْ) وَلَوْ انْعَكَسَ الْحَالُ انْعَكَسَ الْحُكْمُ صَرَّحَ بِهِ عَبْدُ الرَّءُوفِ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْإِيضَاحِ. اهـ. جَمَلٌ. (قَوْلُهُ: يَوْمَ الْقُرِّ) لِقَرَارِهِمْ فِيهِ بِمِنًى.

. (قَوْلُهُ: قُلْنَا الْفَرْقُ إلَخْ) وَأَيْضًا الْمُحْصَرُ لَهُ تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ فَلَوْ اسْتَمَرَّ تَحْرِيمُ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَيْهِ وَلَوْ غَيْرَ الْجِمَاعِ لَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْحَجِّ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ.

. (قَوْلُهُ: الْمُحَصَّبَ) اسْمٌ لِمَكَانٍ مُتَّسِعٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى وَهُوَ إلَى مِنًى أَقْرَبُ وَيُقَالُ لَهُ الْأَبْطَحُ وَالْبَطْحَاءُ وَخِيفُ بَنِي كِنَانَةَ وَحْدَهُ مَا بَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>