وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ الْأَمَةَ لَا تَسْتُرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَأْسَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ لَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ فِي إحْرَامِ الْمَرْأَةِ وَلُبْسِهَا لَمْ يُفَرِّقُوا فِيهِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَشَذَّ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَحَكَى وَجْهًا أَنَّ الْأَمَةَ كَالرَّجُلِ وَوَجْهَيْنِ فِي الْمُبَعَّضَةِ هَلْ هِيَ كَالْأَمَةِ أَوْ كَالْحُرَّةِ وَخَرَجَ بِلَاصِقٍ مَا صَرَّحَ بِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَطْفًا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (لَا خَيْمَةٍ وَشِبْهِهَا) مِمَّا يَسْتُرُ الْوَجْهَ وَهُوَ مُتَجَافٍ عَنْهُ بِخَشَبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَيَجُوزُ لَهَا سَتْرُهُ بِذَلِكَ وَلَوْ بِلَا حَاجَةٍ كَمَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ سَتْرُ رَأْسِهِ بِمِظَلَّةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنْ وَقَعَتْ الْخَشَبَةُ وَأَصَابَ الثَّوْبُ وَجْهَهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا وَرَفَعَتْهُ فِي الْحَالِ فَلَا فِدْيَةَ وَإِلَّا وَجَبَتْ وَخَرَجَ بِوَجْهِهَا غَيْرُهُ كَرَأْسِهَا وَكَفَّيْهَا فَهُوَ عَلَى حَالِهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ وَمَا مَسَّ الْوَرْسَ وَالزَّعْفَرَانَ مِنْ الثِّيَابِ ثُمَّ قَالَ وَلْيَلْبَسْنَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مِنْ مُعَصْفَرٍ أَوْ خَزٍّ أَوْ حَرِيرٍ أَوْ حُلِيٍّ أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ قَمِيصٍ أَوْ خُفٍّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَخَرَجَ بِهِ أَيْضًا وَجْهُ الرَّجُلِ فَلَا يَجِبُ كَشْفُهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي أَيْضًا لِخَبَرِ الشَّافِعِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَمَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانُوا يُخَمِّرُونَ وُجُوهَهُمْ وَهُمْ حُرُمٌ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ سَتْرِهِ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ فِي قَوْلِهِ «لَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ لِصِيَانَةِ رَأْسِهِ» لَا لِقَصْدِ كَشْفِ وَجْهِهِ وَلَوْ سَتَرَ الْمُشْكِلُ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ أَثِمَ وَلَزِمَهُ الْفِدْيَةُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا؛ لِأَنَّا نُوجِبُ شَيْئًا بِالشَّكِّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَتِرَ بِالْمَخِيطِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ رَجُلًا وَيُمْكِنُ سَتْرُهُ بِغَيْرِ الْمَخِيطِ هَكَذَا ذَكَرَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَا خِلَافَ أَنَّا نَأْمُرُهُ بِالسَّتْرِ وَلُبْسِ الْمَخِيطِ كَمَا نَأْمُرُهُ أَنْ يَسْتَتِرَ فِي صَلَاتِهِ كَالْمَرْأَةِ.
(وَرَجُلٍ) أَيْ: وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ (أَنْ يَسْتُرَ الرَّأْسَ)
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: لَا تَسْتُرُ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ م ر وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمَعْنَى لَا يَجُوزُ السَّتْرُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ رَأْسَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ) قَضِيَّتُهُ الْمُرَادُ بِالْعَوْرَةِ هُنَا عَوْرَةُ الصَّلَاةِ لَا عَوْرَةُ النَّظَرِ وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَمَةَ كَالْحُرَّةِ فِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ) قَدْ يُقَالُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ لَا يُنَافِي هَذَا الْمَأْخُوذَ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِهِ بِدَلِيلِ الْمُقَابِلِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَشَذَّ الْقَاضِي إلَخْ فَتَأَمَّلْهُ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا وَجَبَتْ) يَشْمَلُ مَا لَوْ أَصَابَهَا بِاخْتِيَارِهَا وَمَا إذَا لَمْ تَرْفَعْهُ حَالًا. (قَوْلُهُ: فَلَا يَجِبُ كَشْفُهُ) نَعَمْ يَجِبُ أَنْ يُكْشَفَ مِنْهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَشْفُ جَمِيعِ الرَّأْسِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَتَرَ الْمُشْكِلُ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَلَيْسَ لِلْخُنْثَى سَتْرُ الْوَجْهِ مَعَ الرَّأْسِ أَوْ بِدُونِهِ وَلَا كَشْفُهُمَا فَلَوْ سَتَرَهُمَا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ لِسَتْرِهِ مَا لَيْسَ لَهُ سَتْرُهُ لَا إنْ سَتَرَ الْوَجْهَ أَوْ كَشَفَهُمَا وَإِنْ أَثِمَ فِيهِمَا اهـ وَحَاصِلُهُ مُعَامَلَتُهُ مُعَامَلَةَ الْأُنْثَى فِي وُجُوبِ سَتْرِ رَأْسِهِ وَكَشْفِهِ وَجْهَهُ يَنْبَغِي أَنَّ الْإِثْمَ بِكَشْفِهِمَا مِنْ حَيْثُ الْعَوْرَةُ حَتَّى لَوْ خَلَا عَنْ الْأَجَانِبِ فَلَا إثْمَ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ سَتْرُ وَجْهِهِ مَعَ كَشْفِ رَأْسِهِ لَكِنَّهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بَعْدَ بَسْطٍ كَبِيرٍ قَالَ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْخُنْثَى لَيْسَ لَهُ سَتْرُ وَجْهِهِ مَعَ كَشْفِ رَأْسِهِ خِلَافُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ الْخُنْثَى بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْأَجَانِبِ جَازَ لَهُ كَشْفُ رَأْسِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّا لَا نُوجِبُ بِالشَّكِّ) قَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمَنْفِيَّ فِي قَوْلِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا هُوَ الْفِدْيَةُ دُونَ الْإِثْمِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ امْتِنَاعُ سَتْرِ وَجْهِهِ مَعَ كَشْفِ رَأْسِهِ وَقَدْ يُقَالُ كَمَا لَا نُوجِبُ بِالشَّكِّ لَا تَحْرُمُ بِالشَّكِّ وَيُجَابُ بِالِاحْتِيَاطِ لِمَحْضِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.
. (قَوْلُهُ: أَنْ يَسْتُرَ الرَّأْسَ) يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُ سَتْرُ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُجَاوِزِ لِحَدِّ الرَّأْسِ أَيْ: الْقَدْرِ الْمُجَاوِزِ مِنْهُ م ر.
[حاشية الشربيني]
الْمَنْدُوبَ عَلَى الْوَاجِبِ وَهُوَ كَشْفُ الْوَجْهِ نَعَمْ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ الصَّلَاةِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى سَتْرِ هَذَا الْجُزْءِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِيهَا وَحِينَئِذٍ يَكُونُ وَاجِبًا تَدَبَّرْ وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا فِي سَتْرِ ذَلِكَ الْجُزْءِ وَإِنْ نُدِبَ كَمَا فِي الْخَلْوَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ يُؤْخَذُ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ م ر. اهـ. سم عَلَى التُّحْفَةِ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِعَدَمِ الْفَرْقِ فِي هَذَا الْقَدْرِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: لَمْ يُفَرِّقُوا فِيهِ إلَخْ لِمُجَرَّدِ نَفْيِ مَا نَقَلَهُ عَقِبَهُ بِقَوْلِهِ وَشَذَّ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إلَخْ وَفِي مُقَابَلَتِهِ فَتَأَمَّلْهُ. اهـ. سم عَلَى التُّحْفَةِ. (قَوْلُهُ: وَكَفَّيْهَا) أَيْ: فِيمَا عَدَا الْقُفَّازَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَتَرَ الْمُشْكِلُ إلَخْ) أَيْ: وَلَوْ مُرَتَّبًا؛ لِأَنَّهُ سَتَرَ يَقِينًا مَا لَيْسَ لَهُ سَتْرُهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ مَسَّ أَحَدَ فَرْجَيْهِ وَصَلَّى الصُّبْحَ ثُمَّ الْآخَرَ وَصَلَّى الظُّهْرَ وَقَدْ تَوَضَّأَ بَيْنَهُمَا حَيْثُ لَا قَضَاءَ بِأَنَّ مَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ ثَمَّ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ فِي النِّيَّةِ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ مَعَ الْإِبْهَامِ وَهُنَا لَا يَجِبُ تَعْيِينُ مَا يُخْرِجُ عَنْهُ الْكَفَّارَةَ فَلَا تَعَذُّرَ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. اهـ. شَرْحُ عب لِحَجَرٍ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ مُرَتَّبًا) أَيْ: فِي إحْرَامٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي إحْرَامَيْنِ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ اهـ وَخَالَفَ ع ش فِيهِ. (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَقَالَ السُّلَمِيُّ عَقِبَ ذَلِكَ قُلْت أَمَّا سَتْرُ رَأْسِهِ فَوَاجِبٌ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أُنْثَى فَوَاضِحٌ أَوْ رَجُلًا فَجَائِزٌ أَيْ: مِنْ حَيْثُ الصَّلَاةُ وَالسَّتْرُ مَعَ التَّرَدُّدِ وَاجِبٌ وَلِهَذَا أُمِرَتْ سَوْدَةُ أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْ ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ وَأَمَرَ الْخُنْثَى بِالِاحْتِجَابِ وَتَجْوِيزُ الْقَاضِي لُبْسَ الْمَخِيطِ فِيهِ نَظَرٌ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا حَرُمَ عَلَيْهِ أَوْ أُنْثَى جَازَ فَقَدْ تَرَدَّدَ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْحَظْرُ أَوْلَى وَمَقْصُودُ السَّتْرِ يَحْصُلُ بِغَيْرِ الْمَخِيطِ فَلَا مَعْنَى لِتَجْوِيزِ الْمَخِيطِ مَعَ جَوَازِ الْحَظْرِ وَعَدَمِ الْحَاجَةِ وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا سَتْرَ الرَّأْسِ وَإِنْ تَرَدَّدَ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لِأَنَّ سَتْرَ رَأْسِ الْمَرْأَةِ وَاجِبٌ أَصْلِيٌّ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَحْرِيمُ سَتْرِ الرَّأْسِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ عَارِضٌ لِحُرْمَةِ الْعِبَادَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي حَقِّ الْخُنْثَى الْأُنُوثَةُ اهـ.
وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ وَاسْتَحْسَنَهُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ حَاصِلَ كَلَامِ الْقَاضِي وُجُوبُ سَتْرِ رَأْسِهِ وَسَتْرِ بَدَنِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ مَخِيطٍ بِقَرِينَةِ تَنْظِيرِهِ الْمَذْكُورِ فَلَا يُنَافِي كَلَامَ السُّلَمِيُّ إلَّا فِي لُبْسِ الْمَخِيطِ فَالْقَاضِي يُجَوِّزُهُ وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute