السُّبْكِيُّ: وَبِنَبْغِي وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ إلَيْهِ إذَا حَرُمَ السَّبَبُ كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ فَيُحْمَلُ مَا أَطْلَقُوهُ هُنَا عَلَى الْإِجْزَاءِ، وَأَمَّا الْجَوَازُ فَأَحَالُوهُ عَلَى مَا قَرَّرُوهُ فِي الْكَفَّارَةِ (قُلْتُ وَ) يَجِبُ (بِالنِّيَّةِ) أَيْ: مَعَ نِيَّةِ صَرْفِ اللَّحْمِ مُقْتَرِنَةً بِهِ أَوْ مُتَقَدِّمَةً عَلَيْهِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ (صَرْفُ اللَّحْمِ تَمْ) أَيْ: فِي الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ الذَّبْحِ فِي الْحَرَمِ لَا تَلْوِيثُهُ بِالدَّمِ، وَالْفَرْثِ فَيَصْرِفُهُ إلَى مَسَاكِينِهِ الْقَاطِنِينَ، وَالْغُرَبَاءِ ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ، وَصَرْفُهُ إلَى الْقَاطِنِينَ أَفْضَلُ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةُ الْغُرَبَاءِ أَشَدَّ، وَلَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ، وَإِنْ انْحَصَرُوا، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا حُرْمَةُ الْبَلَدِ وَثَمَّ سَدُّ الْخَلَّةَ وَكَاللَّحْمِ فِيمَا ذُكِرَ سَائِرُ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولَةِ كَالْجِلْدِ، وَالْقَلْبِ. وَعُلِمَ مِنْ وُجُوبِ صَرْفِ ذَلِكَ عَدَمُ جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْهُ لِمَنْ لَزِمَهُ فَلَوْ أَكَلَهُ ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَلَامُ الْمُتَوَلِّي يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِنَا: اللَّحْمُ مُتَقَوِّمٌ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مِثْلِيٌّ فَيَنْبَغِي
ــ
[حاشية العبادي]
تَعَذَّرَ الْفُقَرَاءُ فِيهِ جَازَ النَّقْل وَأَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ الذَّبْحُ فِيهِ وَنَقْلُ لَحْمِهِ إلَيْهِمْ بِلَا تَغَيُّرٍ تَعَيَّنَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الذَّبْحِ، وَالتَّفْرِقَةِ فِيهِ وَاجِبٌ بِرَأْسِهِ فَحَيْثُ تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْقُطُ الْآخَرُ. اهـ. فَإِنْ قُلْت: هَلْ يَتَوَقَّفُ التَّحَلُّلُ عَلَى تَفْرِقَتِهِ بَعْدَ ذَبْحِهِ، ثُمَّ نَقْلِ لَحْمِهِ حَيْثُ أَمْكَنَ نَقْلُهُ بِلَا تَغَيُّرٍ أَوْ بَعْدَ نَقْلِهِ حَيًّا، ثُمَّ ذَبْحِهِ هُنَاكَ حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ، أَوْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ لِمُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ فَيَتَحَلَّلُ فِي الْحَالِ كَمَا لَوْ كَانَ وَاجِبُهُ الصَّوْمُ بِأَنْ عَجَزَ عَنْ الدَّمِ، وَالطَّعَامِ؟ قُلْت: الظَّاهِرُ ضَعْفُ هَذَا السُّؤَالِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا أَمْكَنَ ذَبْحُهُ بِمَحَلِّ الْحَصْرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ التَّحَلُّلَ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الذَّبْحِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّفْرِقَةِ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً كَمَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ قَوْلُهُمْ وَاللَّفْظُ لِلْعُبَابِ: فَيَذْبَحُهَا أَيْ: الشَّاةَ، ثُمَّ يَحْلِقُ وَتَجِبُ نِيَّةُ التَّحَلُّلِ فِيهِمَا وَيَصِيرُ بِالثَّلَاثَةِ حَلَالًا. اهـ. وَيُفَارِقُ الْإِطْعَامَ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ التَّحَلُّلُ عَلَيْهِ وَلَا يَكْفِي عَزْلُ الطَّعَامِ بِالنِّيَّةِ بِأَنَّ الذَّبْحَ مَقْصُودٌ بِرَأْسِهِ وَلِذَا لَمْ يَكْفِ تَسْلِيمُهُ حَيًّا لِلْمَسَاكِينِ فَاكْتَفَى بِهِ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْعَزْلِ فَلَيْسَ مَقْصُودًا بَلْ وَسِيلَةٌ مَحْضَةٌ فَلَمْ يَكْتَفِ بِهِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ ذَبْحُهُ بِمَحَلِّ الْحَصْرِ وَاحْتَاجَ لِنَقْلِهِ حَيًّا فَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ، إذَا طَالَ زَمَنُ النَّقْلِ بِحَيْثُ تَشُقُّ الْمُصَابَرَةُ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم وَقَوْلُهُ: فَبَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ جَوَازَ نَقْلِهِ إلَيْهِمْ هَذَا بِخِلَافِ دَمِ غَيْرِ الْحَصْرِ الْمَذْبُوحِ فِي الْحَرَمِ كَمَا يَأْتِي عَنْ الرَّوْضَةِ أَوَائِلَ الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ، وَالْفَرْقُ لَائِحٌ.
(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ) قِيَاسُ وُجُوبِ الْمُبَادَرَةِ إلَيْهِ إذَا حَرُمَ السَّبَبُ وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ إلَى بَدَلِهِ حِينَئِذٍ حَيْثُ انْتَقَلَ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ مَعَ نِيَّةِ صَرْفِ اللَّحْمِ) قَدْ يُسْتَشْكَلُ وُجُوبُ النِّيَّةِ هُنَا بِأَنَّهَا إنْ وَجَبَتْ عِنْدَ الذَّبْحِ بِأَنْ يَنْوِيَ الذَّبْحَ عَنْ ذَلِكَ الدَّمِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُغْنِيَ عَنْ هَذِهِ، وَإِنْ لَمْ تَجِبْ عِنْدَ الذَّبْحِ فَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: صَرْفُ اللَّحْمِ) ثُمَّ لَوْ سُرِقَ أَعَادَ ذَبْحَ دَمٍ، وَالتَّصَدُّقَ بِهِ وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بَدَلَهُ مَذْبُوحًا أَيْ: لَحْمًا بِقَدْرِهِ وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ السَّارِقُ الْمَسَاكِينَ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَهُوَ ظَاهِرٌ سَوَاءٌ وُجِدَتْ نِيَّةُ الدَّفْعِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ وَهُمْ إنَّمَا يَمْلِكُونَ بِهِ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا قَصَّرَ فِي تَأْخِيرِ التَّفْرِقَةِ، وَإِلَّا فَلَا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ سُرِقَ الْمَالُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ الزَّكَاةُ مَمْنُوعُ؛ لِأَنَّ الدَّمَ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ، وَالزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَالِ. اهـ.
وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ إلَخْ يَنْدَفِعُ بِهِ مَا عَسَاهُ يُقَالُ لَمْ يُجْزِئْ إذَا تَقَدَّمَتْ نِيَّةُ الدَّفْعِ عَلَى السَّرِقَةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةُ الدَّفْعِ فَلَا يَفُوتُ عَلَيْهِ وَرُبَّمَا كَانَ الْأَحُظُّ عِنْدَهُ الدَّفْعَ لِغَيْرِ السَّارِقِينَ وَلِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَمْلِكُونَ بِالدَّفْعِ فَكَيْفَ تُجْزِئُ السَّرِقَةُ الْمُفَوِّتَةُ لِسَبَبِ الْمِلْكِ؟ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ عَزَلَ قَدْرَ الزَّكَاةِ وَنَوَى فَسَرَقَهُ الْمُسْتَحِقُّونَ لَمْ يَجُزْ وَهَذَا قِيَاسُ مَا هُنَا مَا لَمْ يُوجَدْ نَقْلٌ بِخِلَافِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ مُسْتَحِقُّو الزَّكَاةِ مُنْحَصِرِينَ فَلَا يَبْعُدُ الْإِجْزَاءُ لِمِلْكِهِمْ بِتَمَامِ الْحَوْلِ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّهُمْ، وَإِنْ انْحَصَرُوا لَا يَجِبُ الدَّفْعُ لِلْجَمِيعِ كَمَا هُنَا بَلْ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثَةٍ فَالظَّاهِرُ هُنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فَلْيُتَأَمَّلْ
[حاشية الشربيني]
رَدٌّ عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ) الْمُعْتَمَدُ فِيهَا أَنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي وَإِنْ عَصَى بِسَبَبِهَا فَكَلَامُهُ مُسَلَّمٌ فِي الْمَقِيسِ دُونَ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ. اهـ. شَيْخُنَا جَمَلٌ عَلَى الْمَنْهَجِ.
(قَوْلُهُ: بِالنِّيَّةِ) أَيْ: نِيَّةِ الْجَزَاءِ فِي الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ مِمَّا فِيهِ جَزَاءٌ، أَوْ نِيَّةِ الْفِدْيَةِ فِي غَيْرِهِ. اهـ. بِهَامِشِ التُّحْفَةِ. اهـ. مَرْصِفِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَيْ: مَعَ نِيَّةِ صَرْفِ) إنْ كَانَ تَرْكِيبًا إضَافِيًّا فَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ كَفَّارَةٍ لِكَذَا؛ إذْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ السَّبَبِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ نِيَّةٍ مُنَوَّنًا كَانَ الْأَوْلَى تَرْكُ صَرْفِ اللَّحْمِ لِإِتْيَانِهِ فِي الْمَتْنِ. (قَوْلُهُ: فِي الْحَرَمِ) فَلَا يُجْزِئُ خَارِجَهُ وَلَوْ لِمَسَاكِينِهِ؛ بِأَنْ خَرَجُوا وَأَخَذُوهُ خَارِجَهُ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ م ر خِلَافًا لِحَجَرٍ سم عَلَى التُّحْفَةِ.
(قَوْلُهُ: وَكَاللَّحْمِ فِيمَا ذُكِرَ إلَخْ) بَقِيَ بَقِيَّةُ أَجْزَائِهِ مِنْ شَعْرٍ وَغَيْرِهِ مَعَ أَنَّ الْكُلَّ يَخْتَصُّ صَرْفُهُ بِمَسَاكِينِهِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَيَجِبُ صَرْفُ لَحْمِهِ وَجِلْدِهِ وَبَقِيَّةِ أَجْزَائِهِ مِنْ شَعْرٍ وَغَيْرِهِ. اهـ. فَمَا ذَكَرَهُ مِثَالٌ لَا قَيْدٌ.
(قَوْلُهُ: إنَّ الْخِلَافَ مُفَرَّعٌ إلَخْ) هَلْ الْمُرَادُ بِالْخِلَافِ الْقَوْلُ الْمُخَالِفُ وَهُوَ الْأَصَحُّ السَّابِقُ؟ هَذَا وَأَجَابَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ بِأَنَّ الْقِيمَةَ هُنَا أَحَظُّ لِلْمُسْتَحِقِّينَ فَوَجَبَتْ وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ اللَّحْمَ مِثْلِيٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute