للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صِحَّةِ الْعَقْدِ مَعَ الِاحْتِيَاجِ فِي التَّحْصِيلِ إلَى مُؤْنَةٍ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَطْلَبِ مِنْ بُطْلَانِهِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ ذَاكَ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالْغَصْبِ، وَالْإِبَاقِ وَهَذَا عِنْدَ الْجَهْلِ بِهِمَا فَأَشْبَهَ مَا إذَا بَاعَ صُبْرَةً تَحْتَهَا دَكَّةٌ (وَالْعَجْزِ) أَيْ: وَخُيِّرَ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ قَبْضِهِ بَعْدَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَقْتَ الْبَيْعِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْعَجْزِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ

(يَلِيهِ) أَيْ: إنَّمَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ فِي نَافِعٍ يَلِيهِ (مَنْ عَقَدْ) بِمِلْكٍ، أَوْ وِلَايَةٍ، أَوْ إذْنٍ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْفُضُولِيِّ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَالْآبِقِ وَأَوْلَى، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا طَلَاقَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ، وَلَا عِتْقَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ، وَلَا بَيْعَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ: لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ (وَلَوْ بِظَنِّ فَقْدِهَا) أَيْ: وَلَوْ عَقَدَ مَعَ ظَنِّ فَقْدِ الْوِلَايَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ يَلِيهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِتَبَيُّنِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ كَمَا يَصِحُّ النِّكَاحُ لِذَلِكَ فِيمَنْ زَوَّجَ أَمَةَ مُورَثِهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَيٌّ فَبَانَ مَيِّتًا وَيُخَالِفُ إخْرَاجُ زَكَاةِ الْمَالِ بِشَرْطِ مَوْتِ مُورَثِهِ لِاعْتِبَارِ النِّيَّةِ فِيهَا وَلَمْ يَبْنِ نِيَّتَهُ عَلَى أَصْلٍ وَيَجُوزُ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ أَيْ: يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ، وَلَوْ مَعَ ظَنِّ عَدَمِ نَفْعِ الْمَبِيعِ وَنَجَاسَتِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ قُدْرَةٌ، وَلَا وِلَايَةٌ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِانْعِقَادِهِ فِيمَا إذَا ظَنَّ بَقَاءَ إبَاقِ عَبْدِهِ، أَوْ كِتَابَتِهِ فَبَانَ رَاجِعًا، أَوْ فَاسِخًا لِكِتَابَتِهِ.

فَالْمُعْتَبَرُ وُجُودُ الشُّرُوطِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا فِي ظَنِّ الْعَاقِدِ، وَرَتَّبَ عَلَى اعْتِبَارِ الْوِلَايَةِ قَوْلَهُ (حَتَّى يُرَدْ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ) بِأَنْ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا وِلَايَةٍ (كَذَا) يَرِدُ (شِرَاهُ) لِغَيْرِهِ (بِعَيْنِ مَا يَمْلِكُهُ سِوَاهُ) أَيْ: غَيْرُهُ، أَوْ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا فُهِمَ بِالْأُولَى؛ إذْ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى ذِمَّتِهِ بِحَالٍ كَأَنْ يَقُولَ: اشْتَرَيْت لِفُلَانٍ كَذَا بِأَلْفٍ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنْ لَمْ يَقُلْ فِي ذِمَّتِهِ وَقَعَ الْعَقْدُ لِلْمُبَاشِرِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْوَكَالَةِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ، أَمَّا لَوْ اشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ بِمَالِ نَفْسِهِ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ وَقَعَ لِلْمُبَاشِرِ، وَإِنْ أَذِنَ الْغَيْرُ، وَإِنْ سَمَّاهُ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ لَغَتْ التَّسْمِيَةُ، وَوَقَعَ لِلْمُبَاشِرِ، وَإِلَّا وَقَعَ لِلْآذِنِ وَيَكُونُ الْمُعْطَى قَرْضًا، وَلَا تَقُومُ النِّيَّةُ هُنَا مَقَامَ التَّسْمِيَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ، وَفِي الْقَدِيمِ عَقْدُ الْفُضُولِيِّ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ قَالَ: «أَعْطَانِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِينَارًا أَشْتَرِي بِهِ أُضْحِيَّةً، أَوْ شَاةً فَاشْتَرَيْت بِهِ شَاتَيْنِ فَبِعْت إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَأَتَيْته بِشَاةٍ وَدِينَارٍ فَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ فِي صَفْقَةِ يَمِينِك» قَالَ النَّوَوِيُّ: وَذَكَرَ الْقَدِيمُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْمَحَامِلِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ، وَهُوَ قَوِيٌّ فِي الدَّلِيلِ يَعْنِي الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ فَإِنَّهُ صَحَّحَهُ، لَكِنْ ضَعَّفَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: إنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ وَقَالَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ الصَّوَابُ: إنَّهُ مُتَّصِلٌ فِي إسْنَادِهِ مُبْهَمٌ

. (قَدْ عَلِمَا مَعْ عَيْنِهِ مَمَرَّهُ) أَيْ: إنَّمَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ فِي نَافِعٍ عَلِمَ الْعَاقِدَانِ عَيْنَهُ فِي الْمُعَيَّنِ وَمَمَرَّهُ ثَمَنًا كَانَ، أَوْ مُثَمَّنًا «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَلَوْ بَاعَ أَحَدَ عَبِيدِهِ، أَوْ صِيعَانِهِ مِنْهُمَا لَمْ يَصِحَّ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ الْجَهْلِ) اعْتَمَدَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ الْبُطْلَانَ هُنَا أَيْضًا كَمَا فِي حَالَةِ الْعِلْمِ

(قَوْلُهُ: أَيْ: وَخُيِّرَ) أَيْ الْمُشْتَرِي.

(قَوْلُهُ: أَوْ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ: ذِمَّةِ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا وَقَعَ لِلْإِذْنِ) وَقَعَ فِي الرَّوْضِ أَنَّهُ يَقَعُ لِلْفُضُولِيِّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ بِعَيْنِ مَالِ الْفُضُولِيِّ، أَوْ فِي ذِمَّتِهِ وَقَعَ لَهُ سَوَاءٌ أَذِنَ ذَلِكَ الْغَيْرُ وَسَمَّاهُ أَمْ لَا. اهـ. وَرَدَّهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّهُ مِنْ تَصَرُّفِهِ وَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِي فِي أَصْلِهِ خِلَافُهُ وَأَجَابَ عَنْهُ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ بِحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ الْغَيْرُ فِي إذْنِهِ بِأَنَّ الشِّرَاءَ بِعَيْنِ مَالِ الْفُضُولِيِّ، أَوْ فِي ذِمَّتِهِ أَمَّا إذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فَيَقَعُ لِلْغَيْرِ الْآذِنِ الَّذِي سَمَّاهُ الْفُضُولِيُّ. اهـ. فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي وُقُوعِهِ لِلْآذِنِ مِنْ التَّصْرِيحِ فِي إذْنِهِ بِالْإِذْنِ فِي الشِّرَاءِ يَعْنِي مَالَ الْفُضُولِيِّ. وَظَاهِرٌ أَنَّ تَسْمِيَتَهُ فُضُولِيًّا عِنْدَ الْإِذْنِ تَسَامُحٌ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي) أَيْ: بِالدَّلِيلِ الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ

(قَوْلُهُ: قَدْ عَلِمَا مَعَ عَيْنِهِ مَمَرَّهُ)

ــ

[حاشية الشربيني]

فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ هُنَاكَ كُلْفَةً مَعَ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَلَيْسَ قَضِيَّةُ الْمَتْنِ لِإِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّحْصِيلِ مُؤْنَةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ الْغَصْبَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ وَيُمْكِنُ حَمْلُ التَّعْلِيلِ عَلَى كُلْفَةٍ غَيْرِ شَدِيدَةٍ فَيُوَافِقُ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَ م ر فَتَدَبَّرْ وَقَدْ حَمَلَ حَجَرٌ قَوْلَ الْعُبَابِ وَيَصِحُّ بَيْعُهُ لِقَادِرٍ عَلَى نَزْعِهِ وَتَخَيُّرِ الْمُشْتَرِي الْقَادِرِ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَحْتَجْ قُدْرَتُهُ عَلَى مُؤْنَةٍ، أَوْ كُلْفَةٍ لَهَا وَقْعٌ فِي الْعَادَةِ. (قَوْلُهُ: فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ صُبْرَةً تَحْتَهَا دَكَّةٌ) إلَى يُمْنَعُ بِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى وُجُودِ الْمَشَقَّةِ الْمُنَافِيَةِ لِلْقُدْرَةِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِحَالَةِ الْعِلْمِ، وَالْجَهْلِ، وَالْمَدَارِ ثَمَّ عَلَى مَا يَنْفِي الْغَرَرَ، أَوْ كَثْرَتَهُ مَعَهُ، وَالْعِلْمُ بِالدَّكَّةِ يَمْنَعُ تَخْمِينَ الْقَدْرِ اهـ جَمَلٌ

(قَوْلُهُ: أَوْ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ: ذِمَّةِ الْغَيْرِ فَإِنْ لَمْ يَصِفْ الذِّمَّةَ بِكَوْنِهَا لِلْغَيْرِ وَقَعَ لِلْمُبَاشِرِ، سَوَاءٌ قَالَ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ لَا. اهـ. شَرْحُ عب لِحَجَرٍ.

(قَوْلُهُ: وَوَقَعَ لِلْمُبَاشِرِ) تَغْلِيبًا لِلصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ شَرْحُ عب. (قَوْلُهُ: وَلَا تَقُومُ النِّيَّةُ إلَخْ) لِأَنَّ الْأَصْلَ وُقُوعُ الْعَقْدِ لِلْمُبَاشِرِ مَا لَمْ يَصْرِفْهُ صَارِفٌ قَوِيٌّ، وَالنِّيَّةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ شَرْحُ عب. (قَوْلُهُ: وَفِي الْقَدِيمِ إلَخْ) قَالَ م ر: وَحُكِيَ عَنْ الْجَدِيدِ أَيْضًا وَقَوْلُهُ مَوْقُوفٌ أَيْ: صِحَّتُهُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مَا ذُكِرَ. اهـ. م ر، وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى تَحْرِيمِ تَعَاطِي الْعُقُودِ الْمَوْقُوفَةِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ تَحْرِيمُ تَعَاطِي هَذَا الْعَقْدِ، وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِوَقْفِهِ، وَفِي ع ش خِلَافُهُ. (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد إلَخْ) هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ عُرْوَةَ كَانَ وَكِيلًا مُطْلَقًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَلِيلِ أَنَّهُ بَاعَ الشَّاةَ وَسَلَّمَهَا وَعِنْدَ الْقَائِلِ بِالْجَوَازِ يَمْتَنِعُ التَّسْلِيمُ بِدُونِ إذْنِ الْمَالِكِ. اهـ. م ر.

(قَوْلُهُ: فِي إسْنَادِهِ مُبْهَمٌ) ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ رَوَاهُ شَبِيبٌ عَنْ عُرْوَةَ فَقَالَ: حَدَّثَنِي الْحَيُّ عَنْ عُرْوَةَ فَذَكَرَهُ قِيلَ لِجَهَالَتِهِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>