اللَّهِ سَعِّرْ لَنَا فَقَالَ إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ بِدَمٍ وَلَا مَالٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مَعَ ذَلِكَ جَزَمَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِأَنَّهُ يُعَزَّرُ مُخَالِفُ الْإِمَامِ.
(وَ) يَحْرُمُ (حَكْرُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ احْتِكَارُ (قُوتٍ) كَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَشَعِيرٍ لِلتَّضْيِيقِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «لَا يَحْتَكِرُ إلَّا خَاطِئٌ» أَيْ آثِمٌ وَذَلِكَ بِأَنْ (اشْتَرَاهُ فِي) وَقْتِ (الْغَلَا) وَحَبَسَهُ (لِبَيْعِهِ الضَّعْفَا) بِفَتْحِ الضَّادِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ جَمْعُ ضَعِيفٍ بِأَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ بِهِ (إذَا السِّعْرُ غَلَا) فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِهِ كَغَلَّةِ ضَيْعَتِهِ أَوْ اشْتَرَاهُ وَقْتَ الرُّخْصِ لِيَبِيعَهُ وَقْتَ الْغَلَاءِ أَوْ اشْتَرَى وَقْتَ الْغَلَاءِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ أَوْ لِيَبِيعَهُ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَحْرُمْ وَالْأَوْلَى أَنْ يَبِيعَ مِنْ ذَلِكَ مَا فَضَلَ عَنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ أَيْ: سَنَةً كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي السِّيَرِ وَفِي كَرَاهَةِ إمْسَاكِهِ وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَتَفْسِيرُ احْتِكَارِ الْقُوتِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ، وَذِكْرُهُ الضَّعْفَى جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ وَخَرَجَ بِالْقُوتِ غَيْرُهُ فَلَا يَحْرُمُ احْتِكَارُهُ وَغَلَا فِي كَلَامِهِ بِالْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ قِرَاءَتُهُ بِالْمُعْجَمَةِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ وَمَا ذَكَرَ فِي التَّصْرِيحِ مَصْدَرٌ.
(وَ) يَحْرُمُ (بَيْعُ حَاضِرٍ مَتَاعَ بَادِي) قَدِمَ بِهِ وَ (حَاجَتُهُ تَعُمُّ) أَهْلَ الْبَلَدِ لِيَبِيعَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ فَيَقُولُ الْحَاضِرُ: اُتْرُكْهُ عِنْدِي لِأَبِيعَهُ بِالتَّدْرِيجِ (بِازْدِيَادِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» زَادَ مُسْلِمٌ: «دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» وَالْمَعْنَى فِيهِ التَّضْيِيقُ عَلَى النَّاسِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَتَاعُ قُوتًا أَمْ لَا ظَهَرَ بِبَيْعِهِ سَعَةٌ فِي الْبَلَدِ أَمْ لَمْ يَظْهَرْ لِقِلَّتِهِ فَإِنْ لَمْ تَعُمَّ حَاجَتُهُ كَأَنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ إلَّا نَادِرًا أَوْ عَمَّتْ وَقَصَدَ الْبَادِي بَيْعَهُ بِالتَّدْرِيجِ فَسَأَلَهُ الْحَاضِرُ أَنْ يُفَوِّضَهُ إلَيْهِ وَقَالَ الْبَادِي ابْتِدَاءً أَتْرُكُهُ عِنْدَكَ لِتَبِيعَهُ بِالتَّدْرِيجِ أَوْ قَصَدَ بَيْعَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ فَقَالَ لَهُ: اُتْرُكْهُ عِنْدِي لِأَبِيعَهُ كَذَلِكَ لَمْ يَحْرُمْ وَلَا سَبِيلَ إلَى مَنْعِ الْمَالِكِ مِنْ ذَلِكَ وَالتَّقْيِيدُ بِعُمُومِ الْحَاجَةِ مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ، وَلَوْ اسْتَشَارَهُ الْبَدْوِيُّ فِيمَا فِيهِ حَظُّهُ فَهَلْ يُرْشِدُهُ إلَى الِادِّخَارِ وَالْبَيْعِ بِالتَّدْرِيجِ؟ وَجْهَانِ وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ بَذْلًا لِلنَّصِيحَةِ وَعَنْ ابْنِ الْوَكِيلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَوْسِيعًا عَلَى النَّاسِ، وَلَوْ قَدِمَ الْبَادِي يُرِيدُ الشِّرَاءَ فَتَعَرَّضَ لَهُ حَاضِرٌ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ رَخِيصًا فَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ؟ تَرَدَّدَ فِيهِ فِي الْمَطْلَبِ وَاخْتَارَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ الْمَنْعَ وَالْحَاضِرُ سَاكِنُ الْحَاضِرَةِ وَهِيَ الْمُدُنُ وَالْقُرَى وَالرِّيفُ وَهِيَ أَرْضٌ فِيهَا زَرْعٌ وَخِصْبٌ وَالْبَادِي سَاكِنُ الْبَادِيَةِ وَهِيَ خِلَافُ الْحَاضِرَةِ وَالتَّعْبِيرُ بِالْحَاضِرِ وَالْبَادِي جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَالْمُرَادُ أَيُّ شَخْصٍ كَانَ.
(وَ) يَحْرُمُ (مُشْتَرَى) بِمَعْنَى اشْتِرَاءٍ (مَالِ غَرِيبٍ) قَبْلَ وُصُولِهِ السُّوقَ (مَا دَرَى مَا سِعْرُهُ لَكِنْ لِغَبْنٍ) حَصَلَ لَهُ (خُيِّرَا) عَلَى
ــ
[حاشية العبادي]
الْقَوْلِ بِهِ مَخْصُوصٌ بِالْأَطْعِمَةِ وَلَوْ لِلدَّوَابِّ بِرّ.
(قَوْلُهُ: قُوتٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضَةِ فَلَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَطْعِمَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَبِيعَ إلَخْ) قَالَ فِي الْعُبَابِ عَقِبَهُ فَإِنْ خَافَ جَائِحَةً فِي زَرْعِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَلَهُ أَيْ: بِلَا كَرَاهَةٍ قَطْعًا إمْسَاكُ كِفَايَتِهَا نَعَمْ إذَا اشْتَدَّ ضَرَرُ النَّاسِ لَزِمَهُ بَيْعُهُ أَيْ: مَا فَضَلَ عَنْ كِفَايَتِهِ سَنَةً فَإِنْ أَبَى أُجْبِرَ اهـ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ طَعَامٌ وَاضْطُرَّ النَّاسُ إلَيْهِ وَلَمْ يَجِدُوا غَيْرَهُ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ وَمِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ النَّوَوِيُّ. اهـ. وَسَيُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي مَبْحَثِ الِاضْطِرَارِ أَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ لَمْ يُبْقَ لِلْمَالِكِ كِفَايَةُ سَنَةٍ فَكَلَامُهُمْ هُنَا فِيمَا إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ اهـ وَهُوَ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَفِي كَرَاهَةِ إمْسَاكِهِ) أَيْ: مَا فَضَلَ عَنْ كِفَايَتِهِ وَجْهَانِ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضَةِ الظَّاهِرُ مِنْهُمَا الْمَنْعُ. (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِالْقُوتِ غَيْرُهُ) قَالَ فِي الْعُبَابِ وَأَلْحَقَ الْغَزَالِيُّ بِالْقُوتِ كُلَّ مَا يُعِينُ عَلَيْهِ كَاللَّحْمِ وَالْفَوَاكِهِ وَصَرَّحَ الْقَاضِي بِالْكَرَاهَةِ فِي الثِّيَابِ اهـ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ التَّخْصِيصُ بِالْأَقْوَاتِ فِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي جَرَيَانُهُ فِي الثِّيَابِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا لِسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَصَرَّحَ الْقَاضِي فِي الثَّوْبِ بِالْكَرَاهَةِ وَيَنْبَغِي تَنْزِيلُهُ عَلَى التَّحْرِيمِ وَيَجِبُ الْجَزْمُ بِأَنَّ احْتِكَارَ الْمِلْحِ كَالْقُوتِ اهـ وَقَالَ السُّبْكِيُّ عِنْدِي أَنَّهُ فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ يَحْرُمُ احْتِكَارُ مَا بِالنَّاسِ ضَرُورَةٌ إلَيْهِ وَهُوَ فِي غُنْيَةٍ عَنْهُ اهـ قِيلَ وَالْأَوْجَهُ أَنَّ عَلَفَ الدَّوَابِّ كَالْقُوتِ. اهـ. قُلْت يُمْكِنُ إدْخَالُهُ فِي الْقُوتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَعُمُّ قُوتَ الدَّوَابِّ.
(قَوْلُهُ: وَبَيْعُ حَاضِرٍ) لَوْ كَانَ الْبَادِي عَالِمًا بِالنَّهْيِ فَيَظْهَرُ تَحْرِيمُ مُوَافَقَةِ الْحَاضِرِ كَمَا لَوْ تَبَايَعَ وَقْتَ الْجُمُعَةِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ بِرّ. (قَوْلُهُ: وَبَيْعُ حَاضِرٍ إلَخْ) عِبَارَةُ الْإِرْشَادِ وَصُدَّ جَالِبُ مِثْلِهِ أَيْ: مِثْلِ الْقُوتِ فِي الْحَاجَةِ عَنْ تَعْجِيلِ بَيْعٍ اهـ وَفِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ لِلشِّهَابِ وَيَخْتَصُّ التَّحْرِيمُ بِالصَّادِ، وَغَرَضُ الرِّبْحِ لِلْجَالِبِ دَفْعُ الْإِثْمِ عَنْهُ، وَالْإِعَانَةُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ لِانْقِضَائِهَا بِانْقِضَاءِ كَلَامِ الصَّادِ إذْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ نَحْوِ لَعِبِ شَافِعِيٍّ بِالشِّطْرَنْجِ مَعَ حَنَفِيٍّ إذْ لَا يَتَأَتَّى إلَّا مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: حَاجَتُهُ) أَيْ: الْحَاجَةُ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: عِنْدِي) أَوْ عِنْدَك، أَوْ عِنْدَ زَيْدٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْبَيْعِ تَرَدُّدٌ إلَخْ) وَقَدْ يُقَالُ قِيَاسُ الْبَيْعِ أَنْ يُقَيَّدَ الشِّرَاءُ بِكَوْنِهِ بِمَتَاعٍ تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ قَالَ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ وَالشِّرَاءُ لِلْبَادِي بِأَرْخَصَ كَالْبَيْعِ لَهُ بِأَغْلَى اهـ وَفَرَّقَ الْجَوْجَرِيُّ بِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْبَيْعِ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ فِي الْغَالِبِ بِالنُّقُودِ وَلَيْسَتْ فِي مَعْنَى مَا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ يَشْتَرِي بِعَرْضٍ تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَهِيَ صُورَةٌ نَادِرَةٌ بِرّ. (قَوْلُهُ: فِي صَحِيحِهِ الْمَنْعُ) أَيْ: الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ أَيْ: اخْتَارَ التَّحْرِيمَ وَلِذَا عَبَّرَ غَيْرُهُ بَدَلَ الْمَنْعِ بِالْإِثْمِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ: الرِّيفُ أَرْضٌ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: قَبْلَ وُصُولِهِ السُّوقَ)
ــ
[حاشية الشربيني]
رَدٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ حِينَئِذٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ) أَيْ يَسْكُتُ لَا أَنَّهُ يُخَيِّرُهُ بِخِلَافِ نَصِيحَتِهِ. اهـ. م ر. (قَوْلُهُ: لَا يَجِبُ) قَضِيَّةُ قَوْلِهِ تَوْسِيعًا أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ نَصِيحَتُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ. اهـ. ع ش. (قَوْلُهُ: الْمَنْعُ) أَيْ التَّحْرِيمُ هَذَا الِاخْتِيَارُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ م ر
(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى اشْتِرَاءٍ) وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الْجَالِبِينَ مِنْ بَعْضٍ قَبْلَ دُخُولِهِمْ