للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: إني أرى صوراً تقبل ولا أثبتها على حقيقة النظر.

قال: فما تجد؟ قال: أجد ألماً لو قسم على جميع الخلائق لكانوا في مثل حالي.

قال: صفه لي.

قال: وما عسى أن أصف لك منه؟ أجد نفسي كأنها بين جبلين قد اصطكا علي، وكأن أسنةً توخز في بدني، وكأن ناراً توقد في عيني، وأجد لهاتي قد يبست، فما أجد فيها شيئاً من ريقي.

فقال له أبو المغلس: إني قرأت بعض الأخبارن وما روي في الآثار: حتى يرى مقعده من النار، أو الجنة. فهل رأيت شيئاً من ذلك؟ قال: أما في وقتي هذا فلا.

فلما اشتد به الامر وكاد أن يغلبه الكرب أومأ بيده إلى أبي المغلس، فأصغى بأذنه إليه، فقال: إنك سألتني عن مقعدي، وهذه الروح قد خرجت من بعض جسدي، وارتفعت إلى حقوي، وقد رأيت مقعدي.

قال: وأين رايته؟ قال: رأيته في جنة عدن.

قال: فهل رأيت أبا عبد الله الديلمي؟ قال: إن روحه لترفرف علي، وقد رايت مقعده أفضل من مقعدي، ودرجته أفضل من درجتي، ولا احسب أنه قال إلا بالعلم الذي سبق إليه قبلي، أو بالشهادة التي اختصه الله تعالى بها دوني، وهذه روحه تبشر روحي بما أعده الله تعالى لي مما لم يبلغه عملي، ولا أحاط به فهمي، ولا استحقه بفعلي مما يعجز عن صفته قول، ثم مد يده وغمض عينيه، وقضى، رحمة الله عليه.

ثم إن عبد العزيز أفاق بعد طويل فحضر غسله وجهازه، ودفنه، ورجع، ورجعنا معه، فمكث أياماً لا يطعم ولا يتكلم، وحضرت

<<  <  ج: ص:  >  >>