فسمعت الجارية الشعر، وفطنت لمعناه لرقتها وظرفها، وكانت مولاتها تسألها عن حالها وحاله في كل يوم، فأخبرتها في ذلك اليوم بما في قلبه منها، وبما سمعت منه من الشعر والغناء، فقالت لها مولاتها: اذهبي فقد وهبتك له! فعادت إليه، فلما رآها أعاد الصوت، فأكبت عليه الجارية فقبلت رأسه، فقال لها: كفى! فقالت: قد وهبتني مولاتي لك، وأنا الرسول، فقال: أما الآن فنعم.
[موت المجنون في الوادي]
أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قراءة عليه، أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز، حدثنا محمد بن خلف، حدثنا أحمد بن الهيثم القرشي، حدثني العباس بن هشام عن أبيه هشام بن محمد بن السائب الكلبي أن رجلاً من أهل الشام كان له أدب، وأنه ذكر له المجنون، وأخبر بخبره، فأحب أن يراه، وأن يسمع من شعره، فخرج يريده، حتى إذا صار إلى حية سأل عنه، فأخبر أنه لا يأوي إلى مكان، وأنه يكون مع الوحش، قال: فكيف لي بالنظر إليه؟ قيل: إنه لا يقف لأحد حتى يكلمه إلا لداية له هي التي كانت ربته، فكلم دايته وسألها، فخرجت معه تطلبه في مظانه التي كان يكون فيها في البرية، فطلبوه يومه ذلك، فلم يقدروا