للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَدَعي التّشاغُلِ بالذي أصبَحتُمُ ... فيه، فإني قد أخالُكِ تُرْشَدِي

قال: فأمسكت عنه فلم تعاوده.

[الفتى المتعبد والمفتونة به]

وأخبرنا أحمد بن علي، حدثنا محمد بن أحمد بن فارس، حدثنا عبد الله بن إبراهيم، حدثنا محمد بن خلف، حدثني أبو محمد جعفر بن الفضل بن محمد بن المعافى عن عبد الواحد بن زياد الافريقي، حدثني أبي قال: سمعت شيخاً من أهل العلم يقول: كان عندنا فتىً متعبد، حسن السيرة، فأحبته جارية من قومه، وجعلت تكاتم أمرها مخافة العيب، فمكثت بذلك حيناً، فلما بلغ الحب منها أرسلت إليه بكتاب وضمنته هذه الأبيات:

تَطَاولَ كِتماني الهَوَى، فأبادَني، ... فأصبَحتُ أشُكو ما ألاقي من الوَجدِ

فأصبحتُ أشكو غُصّةً من جَوى الهوَى، ... أقامَت، فما يَعدو إلى أحدٍ بَعدي

فهَا أنا ذا حَرّى من الوَجدِ صَبَّةٌ، ... كثيرَةُ دَمعِ العَينِ، يجرِي على خَدّي

قال: فأقبلت به امرأة فقال: ما هذا؟ قالت: كتاب أرسلني به إليك إنسان. قال: سميه! قالت: إذا قرأته سميت لك صاحبه، فرمى به إليها، وأنكره إنكاراً شديداً، فقالت له: ما يمنعك من قراءته؟ قال: هذا كتاب قد أنكره قلبي، فلم تزل به حتى قرأه، فرفع رأسه إليها، فقال: هذا الذي كنت أحذر وأخاف، ثم دفعه إليها. فقالت: أما له جواب؟ قال: بلى! قالت: وما هو؟ قال: تقولين لها: إنه يعلم السر وأخفى الله، لا إله إلا هو، له الأسماء الحسنى. قالت: لا غير؟ قال: في هذا كفاية.

فمضت إليها، فأخبرتها بما جرى بينهما، فكتبت إليه:

يا فارغَ القَلبِ من همّي وَمن فِكَرِي، ... ماذا الجَفاءُ، فدتكَ النفسُ يا وَطَرِي؟

<<  <  ج: ص:  >  >>