قال: فكانت المرأة تأتي بالسرير، فتقف على ابنها وأبيها وأخيها، وهم أموات، فينادى: وا بأبي! من قتله ذكر النار، وا بأبي! من قتله ذكر الجنة، وا بأبي! من قتله ذكر الخوف من الله تعالى، حتى إن الوحوش ليجتمعن على من مات منهن فيحملنه، وكذلك السباع والهوام.
قال: ثم يتفرقون، فإذا أفاق داود من غشيته قال لسليمان: ما فعلت عباد بني إسرائيل؟ فيقول سليمان: يا أبتاه ماتوا عن آخرهم. قال: فيقوم داود فيضع يده على رأسه، ثم يدخل بيت عبادته، ويغلق عليه بابه ثم ينادي: يا إله داود! أغضبان أنت على داود أم كيف ذا، إذ قصرت من الموت خوفاً منك.
[أيوب في بلائه]
أخبرنا عبد العزيز بن علي الطحان، رحمه الله، حدثنا علي بن عبد الله بمكة، حدثني منصور بن أحمد قال: سئل أبو العباس بن عطاء عن قوله، عز وجل: مسني الضر، وأنت أرحم الراحمين، فقال: إن الله، عز وجل، سلط الدود على جسم أيوب، عليه السلام، كله إلا على قلبه ولسانه، فكان القلب غنياً بالله، عز وجل، قوياً، واللسان بذكر الله تعالى رطباً دائماً، فأكل الدود الجسم كله حتى بقيت أضلاعه مشتبكة، والعروق ممدودة، وحتى ما بقي للدود شيء يأكله، فسلط الله، عز وجل، الدود بعضه على بعض، فأكل بعضه بعضاً، حتى بقيت دودتان، فجاعتا، فشدت إحداهما على الأخرى، فأكلتها، وبقيت واحدة، فجاعت فدبت إلى القلب لتنفذه، فقال أيوب، عليه السلام، عند ذلك: مسني الضر أن فقدت حلاوة ذكرك من قلبي، لأنك لو جمعت البلاء كله علي بعد أن لا أفقدك من قلبي