للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النفس حيث يجعلها الفتى]

أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قراءة عليه قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه قال: حدثنا محمد بن خلف بن المرزباني قال: أخبرني أبو عبد الله أحمد بن عبد الرحيم عن العباس بن علي قال: حدثني بعض أهل المدينة قال: دعاني فتىً من أهل المدينة إلى جارية تغني، فلما دخلنا عليها، إذا هي أحسن الناس وجهاً، وإذا بها انخراط وجه وسهو وسكوت، فجعلنا نبسطها بالمزاح والكلام، ويمنعها من ذلك ما تكتمه، فقلت في نفسي: والله إن بها لتهياماً، وطائفاً من الحب، فأقبلت عليها، فقلت: بالله لما صدقتني ما الذي بك؟ فقالت: برح الذكر، ودوام الفكر، وخلو النهار، وتشوق إلى من سار، والذي يرى ما وصفت لك، فإن كنت ذا أدب صرفت العتب عن ذي الكرب، واجتهدت في الطلب لدواء من قد أشرف على العطب، كما قال الشاعر، وأخذت العود، فغنت:

سَيُورِدُني التّذكارُ حَوْضَ المَهالكِ ... فَلَسْتُ لتذكارِ الحَبيبِ بِتَارِكِ.

أبى اللهُ إلاّ أنْ أمُوتَ صَبَابَةً، ... وَلَسْتُ لِمَا يَقضِي الإلَهُ بِمالِكِ.

كأنّ بقَلْبي حينَ شَطّتْ بهِ النّوَى، ... وَخَلّفَني فَرْداً، صُدُورَ النّيَازِكِ.

تَقَطّعَت الأخْبَارُ بَيْني وَبَيْنَهُ، ... لِبُعْدِ النّوَى، وَاستَدّ سُبْلُ المَسالكِ.

قال: فوالله لقد خفت أن أسلب عقلي لما غنت، فقلت: جعلني الله فداءك، وهو الذي صيرك إلى ما أرى يستحق هذا منك! فوالله إن الناس لكثير، فلو تسليت بغيره فلعل ما بك أن يسكن أو يخف،

<<  <  ج: ص:  >  >>