فقلت له: حبيبي قد أعجبك نشوان، فلو نظرت إليها بعد ثالثة من وفاتها، وقد تمعط شعرها، وسال صديدها، وبلي بدنها، إذن لمقتهان أفلا أصف لك نشوان الجنان التي ذكرها الله تعالى في القرآن: إنا أنشأناهن إنشاءً، فجعلناهن أبكاراً عرباً أتراباً لأصحاب اليمين، جارية إذا خطرت مالت الأشجار إلى حسن وجهه، وصفرت الطير إلى جمالها طرباً، وإذا وقفت وقف جاري الماء لوقوفها، وإذا مشت تبسمت الحضرة من تحت زمام نعلها، ويكاد ينظوي من رطوبة جسمها، جارية خلقت من الزعفران والمسك الأذفر، بلا تعب ولا نصب، فترى مجرى الدم منها كما ترى الخمرة في الزجاجة البيضاء. قال لها بارئ النسم: كوني فكانت.
قال: فصاح الغلام: يا طبيب قتلتني، وبسهم المنايا رشقتني، ثم ضرب بيده إلى أقبيته فشقها، ورمى بسيفه ومنطقته، ووثب قائماً على قدميه يرتعد كالسعفة في يوم ريح عاصف، ثم اقل: يا قصر! عليك السلام قد هربني هذا الطبيب الشفيق الرفيق.
قال منصور: فصرخت نشوان صرخةً من داخل القصر، وقالت: يا مولاي والله ما تنصفني، تهرب وتتركني، رويداً مكانك، فخرجت علي نشوان، وقد قصرت من شعرها، ثم قالت: يا مولاي! من أراد السفر إلى بلد قفر هيأ الزاد، ومن أراد التوبة شمر لها.
قال منصور: ثم هربا جميعاً، فخرجت إلى باب القصر، فإذا أنا بالقباب قد نزعت، وبالخيام قد رفعت، وبالحجب قد نحيت، فوقفت فناديت بأعلى صوتي: يا أيها الهارب إلى ربه، والآبق من ذنبه، لقد هربت إلى أكرم الأكرمين.