للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقرأ الأبيات، ووقف عليها من كان في المجلس وقرأوها، واستحيا عمرو من ذلك، فانقطع عن الحضور، وغلب الأمر على مدرك، فترك مجلسه ولزم دار الروم، وجعل يتبع عمراً حيث سلك، وقال فيه هذه القصيدة المزدوجة العجيبة.

ولمدرك في عمرو أيضاً أشعار كثير، ثم خرج مدرك إلى الوسواس وسل جسمه، وذهل عقله، وانقطع عن إخوانه ولزم الفراش، فحضره جماعة، فقال لهم: ألست صديقكم القديم العشرة لكم، أفما فيكم أحد يسعدني بالنظر إلى وجه عمرو؟ فمضوا بأجمعهم إليه، وقالوا له: إن كان قتل هذا الفتى ديناً، فإن إحياءه لمروءة! قال: وما فعل؟ قالوا: قد صار إلى حال ما نحسبك ترضى به. فلبس ثيابه ونهض معهم، فلما دخلوا عليه سلم عليه عمرو وأخذ بيده وقال: كيف تجدك يا سيدي؟ فنظر إليه فأغمي عليه ساعةً ثم أفاق وفتح عينيه، وهو يقول:

أنَا في عَافِيَةٍ إ ... لاّ مِنَ الشَّوْقِ إلَيْكَا.

أيّهَا العَائِدُ مَا بي ... مِنكَ لا يَخفَى عَلَيكَا.

لا تَعُدْ جِسْماً، وَعُدْ ... قَلْباً رَهِيناً في يَدَيْكَا.

كَيْفَ لا يَهْلِكُ مَرْشُ ... قٌ بِسَهْمَي مُقْلَتَيْكا.

ثم شهق شهقةً فارق فيها الدنيا، فما برحنا حتى دفنوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>