قال: فلما سمعت هذه الأبيات انتبهت مرتاعة مستحيةً منه كأنه بات معها في جانب البيت، وأنكر ذلك منها من حضرها من نسائها، فقلن: ما لك، وما حالك، وما دهاك؟ فقالت: ما ترك غسان لي في الحياة أرباً، ولا بعده في سرور رغبةً. أتاني في منامي الساعة، فأنشدني هذه الأبيات، ثم أنشدتها وهي تبكي بدمعٍ غزير وانتحاب شديد، فلما سمعن ذلك منها أخذن بها في حديث آخر لتنسى ما هي فيه، فغافلتهن وقامت، فلم يدركنها حتى ذبحت نفسها حياءً مما كادت أن تركب بعده من الغدر به والنسيان لعهده. فقالت امرأة منهن: قد بلغنا أن امرأة أتاها زوجها في المنام فلامها في مثل هذا، فقتلت نفسها. فما سمعنا به.
قال: وكانت المرأة القائلة هذا الكلام صاحبة شعر ورجز فقالت:
قال: فلما بلغ زوجها، وكان يقال له المقدام بن حبيش، وكان قد أعجب بها، أنها قالت: ما كان لي مستمتع بعد غسان، قال: هكذا فلتكن النساء في الوفاء، وقل من تحفظ ميتاً، إنما هي أيام قلائل حتى ينسى وعنه يسلى.