له بعد ذلك على طريقه، وهو يريد منزله، فقالت له: يا فتى اسمع كلمات أكلمك بها. فأطرق فقال لها: هذا موقف تهمة، وأنا أكره أن أكون للتهمة موضعاً. فقالت له: والله ما وقفت موقفي هذا جهالةً مني بأمرك، ولكن معاذ الله أن يتشوف العباد إلى مثل هذا مني، والذي حملني على أن لقيتك في هذا الأمر بنفسي معرفتي أن القليل من هذا عند الناس كثير، وأنتم، معاشر العباد، في مثال القوارير أدنى شيء يعيبه، وجملة ما أكلمك به أن جوارحي كلها مشغولة بك، فالله الله في أمري وأمرك.
قال: فمضى الشاب إلى منزله، وأراد أن يصلي فلم يعقل كيف يصلي، فأخذ قرطاساً وكتب كتاباً، ثم خرج من منزله. فإذا بالمرأة واقفة في موضعها، فألقى إليها الكتاب، ورجع إلى منزله. وكان في الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم. اعلمي أيتها المرأة أن الله، تبارك وتعالى، إذا عصي حلم، فإذا عاود العبد المعصية ستر، فإذا لبس لها ملابسها غضب الله، عز وجل، لنفسه غضبةً تضيق منها السموات والأرضون والجبال والشجر والدواب، فمن ذا الذي يطيق غضبه؟ فإن كان ما ذكرت باطلاً، فإني أذكرك يوماً تكون السماء كالمهل، وتصير الجابل كالعهن، وتجثو الأمم لصولة الجبار العظيم، وإني والله قد ضعفت عن إصلاح نفسي، فكيف بصلاح غيري، وإن كان ما ذكرت حقاً فإني أدلك على طبيب، هو ولي الكلوم الممرضة، والأوجاع المرمضة، ذلك الله رب العالمين، فاقصديه على صدق المسألة، فإني متشاغل عنك بقوله، عز وجل: وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين، ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع، يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور، والله يقضي بالحق، فأين المهرب من هذه الآية؟ ثم جاءت بعد ذلك بأيام فوقفت له على طريقه، فلما رآها من بعيد