فقلت له: من هذا الشيخ؟ فقال: رجل منا من الأنصار من الخزرج، فقلت: وما قصته؟ قال: أصيب بابنه، وكان به باراً قد كفاه جميع ما يعنيه، وقام به، وميتته أعجب ميتةٍ. قلت: وما كان سبب ميتته، وما كان خبره؟ قال: أحبته امرأة من الأنصار، فأرسلت إليه تشكو حبها وتسأله الزيارة، وتدعوه إلى الفاحشة. قال: وكانت ذات بعل، فأرسل إليها:
إنّ الحَرَامَ سَبيلٌ لستُ أسلُكُهُ، ... وَلا أمرُّ به ما عشتُ في النّاسِ
ألغي العتابَ، فإني غَيرُ مُتّبِعٍ ... ما تَشتَهينَ، فكُوني مِنهُ في يَاسِ
فلما قرأت الأبيات كتبت إليه:
دَعْ عَنكَ هذا الذي أصبَحت تذكرهُ، ... وَصِرْ إلى حَاجَتي يا أيّها القاسِي
دَعِ التّنَسُّكَ إنّي غَيْرُ نَاسِكَةٍ، ... وَلَيسَ يَدخُلُ ما أبدَيتَ في رَاسِي
قال: فأفشى ذلك إلى صديق له، فقال له: لو بعثت إليها بعض أهلك فوعظتها وزجرتها رجوت أن تكف عنك. فقال: والله لا فعلت ولا صرت في الدنيا حديثاً، وللعار في الدنيا خير من النار في الآخرة، وقال:
العارُ في مدّةِ الدّنيَا وَقِلّتِهَا، ... يَفنى وَيَبقى الذي بالنّار يؤذِيني
وَالنّارُ لا تَنقَضِي ما دامَ بي رَمَقٌ، ... وَلَستُ ذا ميتةٍ فيها، فتُفنيني
قال: وأمسك عنها، فأرسلت إليه: إما أن تزورني، وإما أن أزورك، فأرسل إليها: اربعي أيتها المرأة على نفسك، ودعي عنك التسرع إلى هذا الأمر. قال: فلما أيست منه ذهبت إلى امرأة كانت تعمل السحر، فجعلت لها الرغائب لتهيجه. قال: فعملت لها فيه.
قال: فبينا هو ذات ليلة جالس مع أبيه، إذ خطر ذكرها بقلبه وهاج به أمر لم يكن يعرفه، واختلط، فقام من بين يدي أبيه مسرعاً فصلى واستعاذ