ثم أصلح شركه، وعدونا إلى موضعنا، فقلت: والله لا أبرح حتى أعرف أمر هذا الرجل، فأقمنا باقي يومنا فلم يقع شيء، فلما أمسينا قام إلى غار قريب من الموضع الذي كنا فيه وقمت معه فبتنا به، فلما أصبح غدا فنصب شركه، فلم يلبث أن وقعت ظبية شبيهة بأختها بالأمس، فوثب إليها ووثبت معه، فاستخرجها من الشرك ونظر في وجهها ملياً ثم أطلقها، فمرت، وأنشأ يقول:
اذهَبي في كلاءَةِ الرّحمنِ، ... أنتِ مِني في ذِمّةٍ وَأمَانِ
لا تَخافي بأنْ تُفاجَيْ بسُوءٍ ... ما تَغَنّى الحَمامُ في الأغصَانِ
ثم عدنا إلى موضعنا فلم يقع يومنا ذلك شيء، فلما أمسينا صرنا إلى الغار، فبتنا فيه، فلما أصبحنا عدل إلى شركه، وغدوت معه، فنصبه، وقعدنا نتحدث وقد شغلني، يا أمير المؤمنين، حسن حديثه عما أنا فيه من الجوع، فبتنا نتحدث إذ وقعت في الشرك ظبية، فوثب إليها ووثبت معه، فاستخرجها من الشرك، ثم نظر في وجهها وأراد أن يطلقها فقبضت على يده وقلت: ماذا تريد أن تعمل؟ أقمت ثلاثاً كلما صدت شيئاً أطلقته. قال: فنظر في وجهي وعيناه تذرفان وأنشأ يقول:
أتَلحَى محِبّاً هائِمٌ القلبِ أن رَأى ... شَبيهاً لمَن يهوَاهُ في الحَبلِ مُوثَقَا