فقال: والله لئن آذنتني لأسمعنك من شعري ما هو أحسن من هذا. فقالت: أقيموه، فخرج. فلما كان من الغد، عاد إليها، فقالت: يا فرزدق! من أشعر الناس؟ قال: أنا. قالت: ليس كما قلت؛ أشعر منك الذي يقول:
كانَتْ إذا هَجَرَ الضَّجيعُ فرَاشَها ... خُزِنَ الحَديثُ وَعفَّتِ الأسرَارُ
لا يُلبِثُ القُرَنَاءَ أنْ يَتَفَرَّقُوا ... لَيلٌ يَكُرُّ عَلَيهِمُ وَنَهَارُ
قال: والله لئن أذنت لي لأسمعنك من شعري ما هو أحسن من هذا، فأمرت به، فأخرج. فلما كان الغد غدا عليها، وحولها جوار مولدات، عن يمينها وعن شمالها، كأنهن التماثيل، فنظر الفرزدق واحدة منهن، كأنها ظبية أدماء، فمات عشقاً لها، وجنوناً بها، فقالت: يا فرزدق! من أشعر الناس؟ قال: أنا، قالت: ليس كذلك؛ أشعر منك الذي يقول:
إنَّ العُيونَ التي في طَرْفها مَرَضٌ ... قَتَلْنَنَا ثمّ لَمْ يُحيِينَ قَتْلانَا
يصرَعْنَ ذا اللُّبِّ حتى لا حرَاكَ به ... وَهُنَّ أضْعَفُ خَلْقِ اللهِ أرْكَانَا
فقال: يا ابنة رسول الله! إن لي عليك حقاً عظيماً لموالاتي لك ولآبائك، وإني سرت إليك من مكة قاصداً لك إرادة التسليم عليك، فلقيت في مدخلي إليك من التكذيب لي والتعنيف، ومنعك إياي أن أسمعك من شعري ما قطع ظهري وعيل صبري به، والمنايا تغدو وتروح، ولا أدري لعلي لا أفارق المدينة حتى أموت، فإذا مت فمري من يدفنني في درع هذه الجارية، وأومأ إلى الجارية التي كلف بها، فضحكت سكينة حتى كادت تخرج من بردها، ثم أمرت له بألف درهم وكسى وطيب وبالجارية بجميع آلتها، وقالت: يا أبا فراس! إنما أنت واحد منا أهل البيت، لا يسؤك ما جرى. خذ ما أمرنا لك به، بارك الله لك فيه، وأحسن إلى