قال: فمضيت في طلب ضالتي يوماً، ثم أتيته عند الليل، فأتى بقرىً، فبينا أنا بين النائم واليقظان، وقد أبطأت الجارية عن وقتها، قلق الأعرابي، فكان يذهب ويجيء وهو يقول:
ما بالُ مَيَّةَ لا تأتي لِعَادَتِها، ... أعاجَها طَرَبٌ أمْ صَدَّها شُغُلُ
لَكِنَّ قَلبي عَنكُمُ لَيس يَشغلهُ ... حتى المماتِ، وَما لي غيركُم أمَلُ
لَو تَعلمينَ الذي بي مِنْ فِرَاقِكُمُ ... لما اعتَذّرْتِ وَلا طابت لك العِلَلُ
نَفسِي فداؤكِ قد أحلَلتِ بي سقَماً ... تكادُ من حرِّهِ الأعضَاءُ تَنفصِلُ
لَوْ أنّ غادِيةً منهُ على جَبَلٍ، ... لمَادَ وَانهَدَّ من أرْكانِهِ الجَبَلُ
ثم أتاني فأنبهني، ثم قال لي: إن خلتي التي رأيت بالأمس، قد أبطأت علي، وبيني وبينها غيضة، ولست آمن السبع عليها، فانظر ما ههنا حتى أعلم علمها، ثم مضى فأبطأ قليلاً، ثم جاء بها يحملها، السبع قد أصابها، فوضعها بين يدي، ثم أخذ سيفه، ومضى فلم أشعر إلا وقد جاء بالأسد يجره مقتولاً، ثم أنشأ يقول:
ألا أيّها اللّيثُ المُضِرّ بِنَفسِهِ، ... هُبلتَ لقد جَرَّتْ يداكَ لكَ الشرَّا
أأصحَبُ دَهراً خَانَني بِفِرَاقِها؟ ... مَعاذَ إلهي أن أكونَ بها بَرّا
ثم أقبل علي فقال: هذه ابنة عمي كانت من أحب الناس إلي، فمنعني أبوها أن أتزوجها، فزوجها رجلاً من أهل هذه الأبيات، فخرجت من مالي كله ورضيت بالمقام ههنا على ما ترى، فكانت إذا وجدت خلوة أو غفلة من زوجها أتتني، فحدثتني وحدثتها، كما رأيت ليس شيء