فأخبرني ابن أبي دباكل أنه لما وقفهما على قبره، نزل أحدهما عن راحلته، وهو عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان، ثم عقرها واندفع يغني غناء الركبان بصوت طليل حسن:
وَقَفنَا على قَبرٍ بدَسْمَ، فهاجَنا، ... وذَكَّرَنا بالعَيشِ إذ هوَ مُصْحَبُ
فَجالتْ بأرْجَاءِ الجُفُونِ سَوَافِحٌ ... من الدّمعِ تَستَبكي الذي تَتَعقّبُ
فإنْ تَنْفَدَا عن ساحَةِ عُبَيداً بعَوْلَةٍ، ... وَقَلَّ له منّا البُكَى وَالتحَوّبُ
فلما أتى عليها نزل صاحبه، فعقر ناقته، وهو رجل من جذام، يقال له عبيد الله بن المنتشر، فاندفع يتغنى عند الخلوات:
إنّ أهلَ الحِصَابِ قد تَركوني ... مُودَعاً مُولَعاً بأهلِ الحِصَابِ
أهلِ بيتٍ تَتَابَعُوا للمَنَايَا، ... ما على الدهرِ بعدهم من عِتابِ
سكنوا الجِزْعَ جزْعَ بَيتِ أبي مو ... سَى إلى الشِّعبِ من صَفّي الشبابِ
كم بذاك الحجونِ من حيّ صِدقٍ ... من كُهولٍ أعِفّةٍ وَشَبَابِ
قال ابن أبي دباكل: فوالله ما أتم منها ثالثاً، حتى غشي على صاحبه، ومضى غير معرج عليه، حتى إذا فرغ جعل ينضح الماء في وجهه، ويقول: أنت أبداً منصوب على نفسك من كلفات ما ترى، فلما أفاق قرب إليه الفرس، فلما علاه استخرج الجذامي من خرج على البغل قدحاً، وإداوة، فجعل في القدح تراباً من تراب القبر، وصب عليه ماء، ثم قال: هاك! فاشرب، هذه السلوة، فشرب، ثم جعل الجذامي مثل ذلك لنفسه، ثم