وجدت بي من شيء، إلا قد وجدت منك مثله، وظنت أم عمرو امرأته أنه قد عشق أختها فتبعتهما، وهما لا يدريان، حتى رأتهما قاعدين جميعاً، فمضت تقصد إخوتها، وكانوا سبعةً، فقالت: إما أن تزوجوا كعباً ميلاء، وإما أن تغيبوها عني. فلما بلغه أن ذلك قد بلغ إخوتها هرب، فرمى بنفسه نحو الشام وترك الحجاز. وقال وهو بالشام:
أفي كُلّ يَوْمٍ أنتَ مِنْ بارِحِ الهَوَى ... إلى الشُّمّ من أعلامِ مَيلاءَ ناظِرُ
فروى هذا البيت رجل من أهل الشام. ثم خرج يريد مكة فمر على أم عمرو وأختها ميلاء، وقد ضل الطريق، فسلم عليهما، وسألهما عن الطريق. فقالت أم عمرو: يا ميلاء! صفي له الطريق، فذكر الرجل لما سمعها تقول يا ميلاء:
فتمثل به فعرفت الشعر، فقالت: يا عبد الله! من أين أنت؟ قال: أنا رجل من أهل الشام، فقالت: فمن أين رويت هذا الشعر؟ قال: رويته عن أعرابي بالشام. قالت: أو تدري ما اسمه؟ قال: اسمه كعب. قال: فأقسمتا عليه أن لا يبرح حتى يراك إخوتنا، فيكرموك، ويدلوك على الطريق، فقد أنعمت علينا. فقال: إني لأروي له شعراً آخر، فما أدري أتعرفانه أم لا؟ فقالتا: نسألك بالله إلا أسمعتنا إياه؟ قال: سمعته يقول:
خَلِيليَّ! قد رُزْتُ الأمورَ وَقِستُهَا، ... بِنَفسِي وَبالفِتيَانِ كُلَّ مَكَانِ