وأدام زيارتها، وترك إتيان كل من كان يأتيه فيتحدث إليه بغيرها، وكان يأتيها كل يوم، فلا يزال عندها نهاره أجمع، حتى إذا أمسى انصرف، وإنه خرج ذات يوم، يريد زيارتها، فلما قرب من منزلها لقيته جارية حاسرة عسراء، فتطير من لقائها، فأنشأ يقول:
صرِيعُ العَصَا جَذبُ الزّمامِ إذا انتَحى ... لوَصلِ امرِئٍ لم تُقضَ منه الأوَاصرُ
ثم صار إليها في غد، فلم يزل عندها، فلما رأت ليلى ذلك منه، وقع في قلبها مثل الذي وقع لها في قلبه، فجاءها يوماً كما كان يجيء، فأقبل يحدثها وجعلت هي تعرض عنه بوجهها، وتقبل على غيره تريد أن تمتحنه، وتعلم ما لها في قلبه، فلما رأى ذلك منها اشتد عليه وجزع، حتى عرف ذلك فيه، فلما خافت عليه أقبلت عليه كالمشيرة إليه فقالت:
فسري عنه، وعلم ما في قلبها، وقالت له: إنما أردت أن أمتحنك، والذي لك عندي أكثر من الذي لي عندك، وأنا معطية الله عهداً إن أنا جالست بعد يومي هذا رجلاً سواك حتى أذوق الموت، إلا أن أكره على ذلك.
قال: فانصرف في عشيته وهو أسر الناس بما سمع منها، فأنشأ يقول:
أظُنّ هَوَاهَا تَارِكي بمَضَلّةٍ ... من الأرْضِ لا مالٌ لديّ ولا أهلُ