يأمره فيه أن يحضر قيساً ويتقدم إليه في ترك زيارة ليلى، فإن أصابه أهلها عندهم، فقد أهدر دمه.
فلما ورد الكتاب على عامله بعث إلى قيس وأبيه، وأهل بيته، فجمعهم، وقرأ عليهم كتاب مروان، وقال لقيس: اتق الله في نفسك، لا يذهب دمك هدراً، فانصرف قيس وهو يقول:
ألا حُجِبتْ لَيلى، وَآلى أمِيرُهَا ... عَليّ يَميناً جاهِداً لا أزُورُهَا
وَأوْعَدَني فِيهِمْ رِجَالٌ، أبُوهُمُ ... أبي وَأبوها، خُشّنتْ لي صُدورُها
فلما أيس منها، وعلم أن لا سبيل إليها، صار شبيهاً بالتائه العقل، وأحب الخلوة، وحديث النفس، وتزايد الأمر به، حتى ذهب عقله، ولعب بالحصا والتراب، ولم يكن يعرف شيئاً إلا ذكرها وقول الشعر فيها، وبلغها هي ما صار إليه قيس، فجزعت أيضاً لفراقه وضنيت ضناً شديداً.
وإن أهل ليلى خرجوا حجاباً، وهي معهم، حتى إذا كانوا بالطواف رآها رجل من ثقيف وكان غنياً كثير المال، فأعجب بها، على تغيرها وسقمها، فسأل عنها، فأخبر من هي، فأتى أباها، فخطبها إليه وأرغبه في المهر، فزوجه إياها، وبلغ الخبر قيساً، فأنشأ يقول:
ألا تِلكَ لَيلى العَامِرِيّةُ أصبَحَتْ ... تَقَطّعُ إلا مِنْ ثَقيفٍ وِصَالُها