وأنكر المنكر بيدك ولسانك وباين من فعله بجهدك، وخض الغمرات إلى الحق، وتفقه في الدين، وعود نفسك الصبر على المكروه، وألجئ نفسك في الأمور كلها إلى الله، فإنك تلجئها إلى كهف حريز ومانع عزيز، وأخلص في المسألة لربك، فإن بيده العطاء والحرمان وأكثر الاستخارة، وتفهم وصيتي، لا تذهبن عنك صفحا، أي بني! إني لما رأيتني قد بلغت سنا ورأيتني ازددت وهنا بادرت بوصيتي إياك خصالا منهن أن تعجل لي أجل قبل أن أفضى إليك ما في نفسي وأنقص في رأيي كما نقصت في جسمي، أو يسبقني إليك بعض غلبة الهوى وفتن الدنيا فتكون كالصعب النفور، وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما ألقى فيها من شيء قبلته، فباكرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك، لتستقبل بجد رأيك ما قد كفاك تجربته، فتكون قد كفيت مؤنة الطلب، وعوفيت من علاج التجربة، فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه، واستبان لك ما ربما أظلم علينا فيه، أي بني! إني لم أكن عمرت عمر من كان قبلي، فقد نظرت في أعمارهم وفكرت في أخبارهم، وسرت في آثارهم، حتى عدت كأحدهم، بل كأنني لما قد انتهى إلي من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره