قديم، لم يزل كذلك، فإذا عرفت ذلك فافعل كما ينبغي لمثلك في صغر خطره، وقلة مقدرته، وكثرة عجزه، وعظيم حاجتك إلى ربك، فاستعن بالهك في طلب حاجتك، وتقرب إليه بطاعته، وارغب إليه بقدرته، وارهب منه بروئيته، فإنه حكيم لم يأمرك إلا بحسن، ولم ينهك إلا عن قبيح، اجعل نفسك ميزانا بينك وبين غيرك؛ وأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، ولا تقل ما لا تعلم، بل أقل مما تعلم، ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك؛ اعلم يا بني أن الإعجاب ضد الصواب، وآفة الألباب، فاسع في كدحك؛ ولا تكن خازنا لغيرك، فإذا هديت لقصدك فكن أخشع ما تكون لربك؛ واعلم أن أمامك طريقا ذا مشقة بعيدة. وأهوال شديدة، وأنك لا غنى بك عن حسن الارتياد، وقدر بلاغك من الزاد مع خفة الظهر، فلا تحملن على ظهرك فوق طاقتك، فيكون ثقله وبالا عليك، وإذا وجدت من أهل الحاجة من يحمل لك زادك ويوافيك به حيث تحتاج إليه فاغتنمه، واغتنم ما أقرضت من استقرضك في حال غناك، واعلم أن أمامك عقبة كؤوداء مهبطها على جنة أو على نار، فارتد لنفسك قبل نزولك، فليس بعد الموت