فأجمل في الطلب؛ وإياك ومقاربة من يشينك! وتباعد من السلطان، ولا تأمن خدع الشيطان، ومتى ما رأيت منكرا من أمرك فأصلحه بحسن نظرك، فإن لكل وصف صفة، ولكل قول حقيقة، ولكل أمر وجها ينال الأريب - أي العاقل - فيه رشده، ويهلك الأحمق بتعسفه فيه نفسه؛ يا بني! كم قد رأيت من قيل له: تحب أن تعطي الدنيا بما فيها مائة سنة بلا آفة ولا أدنى، لا ترى فيها سوءا ويكون آخر أمرك عذاب الأبد، فلا يتسع بها ولا يريدها، ورأيته قد أهلك دينه ونفسه باليسير من زينة الدنيا، وهذا من كيد الشيطان وحبائله، فاحذر مكيدته وغروره، يا بني! أملك عليك لسانك، ولا تنطق فيما تخاف الضرر فيه، فإن الصمت خير من الكلام في غير منفعة، وتلافيك ما فرط من همتك أيسر من إدراكك ما فات من منطقك، واحفظ ما في الوعاء بشد الوكاء، واعلم أن حفظ ما في يديك خير من طلب ما في يد غيرك، وحسن التدبير مع الكفاف أكفى لك من الكثير في الإسراف، وحسن اليأس خير لك من الطلب إلى الناس، يا بني! لا تحدث من غير ثقة فتكون كذابا، والكذب داء فجانبه وأهله، يا بني! العفة مع الشدة خير من الغنى مع الفجور، من فكر أبصر،