أمّا القول الأول، وهو: قصر الأزرقي المحصّب على الجهة اليسرى فقط من الحجون إلى الخرمانية، قول لا ينهض له دليل، بل الدليل عكسه. لأن التحصيب إنّما أخذ من فعل النبي صلّى الله عليه وسلم. وإنّما حصّب النبي صلّى الله عليه وسلم في خيف بني كنانة. وخيف بني كنانة يطلق على شعب الصفيّ، وشعب الصفيّ على ما حررناه وعلى ما سيأتي تحريره-إن شاء الله-هو: الجميّزة اليمنى للصاعد من مكة، وهذا الشعب يقع في يمين الوادي للمصعد لا على يساره-وعلى ذلك فأكثر التحصيب إنّما يكون على يمين الوادي، لأنّ الناس عندما كانوا يحصّبون في شعب الصفيّ، وشعب عمرو، وشعب الخوز، وكل ذلك على يمين الوادي، فقصره على يسار الوادي يحتاج إلى دليل، والله أعلم. وأمّا القول الثاني: وهو مدّ طول المحصّب من الجهة العليا إلى حدّ جبل العيرة، (وهو جبل المنحنى اليوم) انفرد به الشافعي-رحمه الله-إن صحّ عنه، ولم يتابعه على ذلك أحد، وتحصيب النبي صلّى الله عليه وسلم إنّما كان أسفل من ذلك. والأزرقي والفاكهي، والأصمعي، ومسلم بن خالد الزنجي-شيخ الشافعي-لم يتعدّوا بحدّ المحصّب الأعلى ما قابل الخرمانية لا من جهة شعب عمرو، ولا من جهة أذاخر، والله أعلم. وأمّا القول الثالث: في قصر المحصّب على شعب عمرو إلى شعب بني كنانة، فهذا على اعتبار أنّ خيف بني كنانة يطلق على الخرمانية وعلى صفيّ السباب، والحجّاج إذا حصّبوا ملؤوا هذه المنطقة شعب الصفيّ، (الجمّيزة) وشعب عمرو (الملاوي وفسحة البيّاضية) والخرمانية، وهذا صحيح، لكنّهم إذا كثروا نزلوا ما يقابل ذلك وهو شعب أذاخر إلى ثنيّة أذاخر، وهذا ما يتخرّج عليه القول الرابع، وهو أولى الأقوال بالقبول عندي. أمّا القول الخامس فلا يبعد قبوله، وهو عين القول الرابع، إلاّ أنّه مدّ نهايته العليا إلى أعلى قليلا، والعلم عند الله. (١) كذا في الأصل، ولم أعرفه، ولعلّه يعني الأرض العريضة الفضاء في مدخل الملاوي، وكانت هناك آبار أزيلت قبل سنوات قليلة. (٢) كذا في الأصل ولعلّها بئر.