اسماعيل أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن حين ضاقت عليهم، والتمسوا التفسح في البلاد، إلاّ احتملوا معهم من حجارة الحرم، تعظيما للحرم وصيانة لمكة والكعبة، فأينما حلّوا وضعوه، فطافوا به طوافهم بالكعبة، حتى سلخ ذلك بهم إلى أن كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة، وأعجبهم حتى خلف الخلوف ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين ابراهيم الخليل-عليه السلام-غيره، وعبدوا الأوثان، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالة، وانتحوا ما كان يعبد قوم نوح منها على إرث ما كان بقي فيهم من ذكرها، وفيهم على ذلك بقايا من عهد ابراهيم واسماعيل يتمسكون بها من تعظيم البيت والطواف به، والحج والعمرة، والوقوف على عرفة، ومزدلفة، وهدي البدن، وإهلال الحج والعمرة، مع إدخالهم فيه ما ليس فيه [حتى كان فيهم إلياس بن مضر ابن نزار، فأنكر على بني اسماعيل ما غيّروا من دين آبائهم، وبان فضله فيهم حتى جمعهم على رأيه، ورضوا به رضى ما لم يرضوه من أحد من ولد اسماعيل بعد أدد، فردّهم إلى دين آبائهم حتى رجعت سنته تامة، وهو أول من أهدى البدن إلى البيت، وهو أول من وضع الركن الأسود بعد ذهابه في الطوفان وانهدامه زمن نوح-عليه السلام-فكان أول من ظفر به الياس، فوضعه في زاوية البيت، وكانت العرب تعظم الياس تعظيم أهل الحكمة لقمان وأشباهه].
وكان أول من غير دين اسماعيل-عليه السلام-ونصب الأوثان، وسيب السائبة، وبحر البحيرة، ووصل الوصيلة، وحمى الحام، عمرو بن لحيّ ابن قمعة بن خندف، جدّ خزاعة، إلا أنهم من ولد عمرو بن عامر بن غسّان (١).
(١) شفاء الغرام ٢١/ ٢،ومنائح الكرم ورقة (٣٩٣ أ).وما بين المعقوفتين سقط من شفاء الغرام، والسنجاريّ إنما نقله عن الفاسي عن الفاكهي.