للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأُمور إذا زال شيءٌ منها فقد تنتقض الحقيقةُ فيزولُ سائرُها، وقد لا تزولُ جميعًا، بل يبقى منها.

وبيان ذلك أَن يُقال:

إنَّ زوال الواحد من العشرة مثلًا لم تَزُلْ به حقيقتُه المركبةُ كلُّها، بل بقيت التِّسعةُ، وإن كانت قد زالتِ الصورةُ المجتمعةُ لهذا العددِ، وأمَّا الاسم فقد يزول بزوال بعض أجزاء ما يطلق عليه هذا الاسم، وقد لا يزول؛ ذلك لأَنَّ الحقائقَ المُركبة تنقسم إلى قسمين:

الأول: ما يكون التركيبُ شرطًا في إطلاق الاسم عليه.

الثاني: ما لا يكون كذلك.

فأمَّا الأوَّلُ: فكالعشرةِ، والسَّكنجبين. فإذا زال جزءٌ من أيّ منهما=زالَ الاسمُ.

والثاني: فكالبُّرِ، والتُّرابِ، والماء، وجميع المُركَّبات المتشابهة الأجزاء. .

فالحسُّ والعقلُ يشهدان بأنَّ زوال جزءٍ من هذه المركبات لا يترتَّبُ عليه زوال الاسم الذي يطلق على كل منها (١) .

والشَّرْعُ دالٌّ على ذلك أَيضًا، يقول الإمام ابن تيميَّة - رحمه الله - مُقرِّرًا هذه الحقيقة: (فلفظ العبادةِ، والطَّاعةِ، والخيرِ، والحَسنةِ، والإحسانِ، والصَّدقةِ، والعلمِ. ونحو ذلك مما يدخل فيه أمورٌ كثيرةٌ يطلق الاسم عليها قليلها و كثيرها، وعند زوال بعض الأجزاء وبقاء بعضه.

وكذلك لفظ" القرآن" فيقال على جَميعهِ وعلى بعضه، ولو نَزلَ قرآنٌ أَكثرَ من هذا؛ لسُمّي قرآنا. . وإذا كانت المركبات على نوعين بل غالبهما من هذا النوع= لم يصح قولهم: إنه إذا زال جزؤه لزم أن يزول


(١) انظر: "مجموع الفتاوى" (٧/ ٥١٤،٤٠٤ - ٥١٨)

<<  <   >  >>