للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الثالث: دفع دعوى المعارِض العقلي عن حديث (لا يُدخِل أحدًا الجنَّة عملُه)

والجواب عمّا احتجّت به المعتزلة يتّضح فسادُه ببيان الأصل الذي ارتكزوا عليه في إيجابهم استحقاق الثواب جزاءً للعمل = هذا الأصل هو قولهم بالتحسين والتقبيح العقليَّيْن، والذي يراد بهما -عندهم- اتّصاف الأفعال بالحُسن والقُبح، وكون ذلك صفات ذاتية للفعل، لازمة له. وإنما وظيفة الشرع في الكشف عنها.

ثم؛ إنّ المعتزلة بعد رسمهم لمفهوم هذا التحسين والتقبيح جعلوه مرتبطًا ولازمًا لمسائل القدر، والتعديل والتجوير. قياسًا منهم للخالق على خلقه؛ إذْ أجروا أحكام هذا الباب -أعني التحسين والتقبيح العقليين- على الخالق تعالى والمخلوق. فإذا اشتمل الفعل على مصلحة خالصة أو راجحة؛ فإنه يجب على الله طلب تحصيله وإيجاده. وإذا اشتمل على مفسدة خالصةٍ أو راجحة؛ فإنه يجب على الله طلب تركه، والنهي عنه (١). ولمّا كان الله عدلًا حكيمًا؛ ومعنى ذلك = أن تكون أفعاله معلَّلة بالحكمة، وألاّ يفعل القبيح، أو يختاره، ولا يخلّ بواجب (٢) =لَزِم أن يتنزّه عن العبث - المناقض للحكمة - الذي من جملته تكليفُ العباد، دون حِكْمة مقصودة. وحُسْن التكليف إنّما يتحقّق بتعريضهم للثواب لعَمَل استحقّوا به ذلك؛ وإلاّ كان قبيحًا = فوجب أن يكون الثواب مترتّبًا على العمل.

والأصل الذي انطلقت منه هذه الطائفة؛ قدْرٌ منه يوافقهم عليه أهل


(١) انظر: "مجموع الفتاوى" (٨/ ٤٣١).
(٢) انظر: "شرح الأصول الخمسة" (ص ٣٠١).

<<  <   >  >>