المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأَحاديث الدالة على أنّ شدة الحرِّ والبرد من جهنم:
مَدار شبهة الطاعنين في دلالة هذه الأَحاديث تدور على أمرين:
الأول: دعواهم أَنها - أي الأَحاديث - تناكد ما دلت عليه الحقيقة العلميَّة التي تقضي أن سبب الحرِّ وشدته وكذا البرد = يعود إلى أَنها من الظواهر الطبيعية التي تتعلق باقتراب أو ابتعاد الأَرض من الشَّمس، فلا علاقة للبرد والحر بسبب (غيبي / ما ورائي) لا يمكن إدراكه ولا تفسيره.
الأمر الثاني: أن حديث أبي هريرة يصور الأرض بأنها لا يجتمع فيها فَصْلان، فهي ذات جو واحد؛ إما صيف، أو شتاء. وهذا خلاف الضرورية الحسية.
الأمر الثالث: أَنّ قبول ما دلت عليه هذه الأحاديث = يلزم مخالفة الضرورة العقلية بامتناع اجتماع النقيضين، إذ كيف يصح أن يصور عن النار نَفَسٌ يخالف طبيعتها.
وفي تقرير الشبهتين الأوليين، يقول الدكتور القرضاوي: «حديث الشيخين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال:(اشتكت النار إلى ربها ... ). فطلبة المدارس في عصرنا يدرسون في الجغرافيا أسبابَ تغير الفصول، وظهور الصيف والشتاء، والحر والبرد؛ وهي تقوم على سنن كونية، وأسباب معلومة للدارسين.
كما إنَّ من المعلوم المشاهَد أن بعض الكرة الأرضية يكون شتاءً قارس البرد، وبعضها حارًّا شديدة الحرارة .. فينبغيْ حَمْلُ الحديث على المجاز ـ والتصوير الفني، الذي يُصَوِّر شدة الحر على أنها نَفَسٌ من