للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث الشفاعةِ

أمّا فيما يتعلق بالمعارضات المُساقةِ على أَصل الشفاعةِ؛ فالجواب عن ذلك أن يقال:

إن هذه الشبهة باعِثُها الغَلَط في فهم حقيقة الشفاعة الشرعية المُثْبَتَة. فالدكتور "مصطفى محمود" اعتقد أن هذه الشفاعة يستلزم إثباتُها إشراكَ المخلوق مع الرَّبِ تبارك وتعالى في فَرْدٍ من أَفراد مُلكه؛ لأنه سبق إلى مخيلته ما يراه في الشَّاهد من تعلُّق المشفوع له بالشافع، وطلبه الشفاعة منه، وقيام الشافع بالشفاعة دون إذن من المشفوع عنده للشافع، ولا رضا عن المشفوع له = وهذا -كما ترى- قياس فاسدُ الاعتبار؛ لأن الشفاعة الشرعية مشروطة بقيود لا تكون معتبَرةً إلا بتحققها، فينتفي نفاذها إلا بعد توفُّر شروطها.

ومما يعضد هذا الأصل - وهو: تفرد الرب بملكية الشفاعة -: أن الله تعالى لم يقبلْ بعضَ الشفاعات من خير الخَلْقِ وهم رسل الله تعالى. فلم يأْذنْ لإبراهيم - عليه السلام - أن يشفع في أبيه؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (يلقى إبراهيم أباه، فيقول: يا ربِّ إنك وعدتني ألا تُخْزِني يوم يبعثون. فأيُّ خِزيٍ أخزى من أبي الأَبعد؟! فيقول الله: إني حرمت الجنة على الكافرين) (١)

ولم يأذن للنبي - صلى الله عليه وسلم - في أن يشفع لأمِّه؛ كما ثبت من حديث أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (استأذنت ربي أن أزور قبر أمي =فأذِنَ لي. واستأذنته أن أستغفر لها = فلم يأذن لي) (٢)


(١) أخرجه البخاري كتاب "الأنبياء" باب " قول الله تعالى {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} النساء: ١٢٥ " (٦٨٤ - ٦٨٥ - رقم [٣٣٥٠])
(٢) أخرجه مسلم في: كتاب "الجنائز" باب: "استئذان النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه عز وجل في زيارة أمه" (٢/ ٦٧١)

<<  <   >  >>