المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (احتجَّ آدم وموسى عليهما السلام).
قبل الإبانة عن تهافت ما استند إليه الطاعنون في هذا الحديث من المعتزلة وغيرهم ممن وافقهم؛ فإنه تجدر الإشارة إلى أن الفهم المغلوط لظاهر الحديث، والتأسيس لظاهرٍ ليس هو في الحقيقة الظاهر الحقيقي الذي قصد المتكلم بالنص الإفصاح عنه = هو الأساس الذي قاد المعتزلة إلى رده والطعن في دلالته، وحَمَل الجبرية على التقوّي به والاستناد إليه؛ لأن الدليل الشرعي عند كلا الطائفتين لا يُعَدُّ أصلًا يُتحاكم إليه؛ بل هو محكوم بالأساس البدعي الذي تحتكم إليه كلتا الطَّائفتين.
وعليه؛ فالظَّاهرُ الحقيقي من الحديث يفارق الظاهر الذي اشتركت الطائفتان في فهمه؛ ذلك لكون النص بسياقه يدل على أَحد أمرين: إمّا أن اللوم لا يتوجه في المصائب لجَرَيان القدر السَّابقِ بها = فيرتفع حينئذٍ اللوم. أَو أَنّ اللوم لا وجهَ له بعد التوبة من الذنب، لا قبله = وفي كلتا الدَّلالتين ما ينفي دلالة النَّصِ على تسويغ الاحتجاج بالقدر على غشيان الذنوب، وركوب المحارم؛ لِجَرَيان القدر بها. فالبَوْن مسافِرٌ بين الظاهر الحق المدلول عليه بهذا الحديث، وبين الظاهر المتوهَّم الذي استبطنته كلتاهما = فإذا تحرر لنا مَثَار الغلط في المسألة؛ تبيّن أن ما أثاره الطاعنون هي قضايا ليست ذات موضوع، وما ساقوه هو في الحقيقة طعن في الظاهر الذي فهموه، لا الظاهر الذي دَلّ عليه النص، وأراده المتكلم.
والمحاكمة التفصيلية لآحاد هذه الاعتراضات حينئذٍ هي من قبيل النفل.
فأمّا جواب الاعتراض الأول: وهو دعواهم أن موسى قد ذَمَّ آدم