للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الثاني: سَوْقُ دعوى المُعارِض العقلي على أحاديث انشقاق القمر:

أُورِد على حديث انشقاق القمر جملة من المعارضات العقليّة؛ تتلخص في الآتي:

المعارض الأول: أن الأَجرام العُلوية لا يتطرق إليها ذبولٌ ولا خَرق، ولا فساد، ولا انشقاق؛ إذ لو وقع ذلك لفسد ناموس الطبيعة.

وهذا قول فلاسفة اليونان، كما نقله عنهم غير واحدٍ من أهل العلم؛ كالغزالي (١) وشيخ الإسلام ابن تيمية (٢)، وغيرهما. وقد تبع فلاسفة اليونان المتقدِّمين، بعض الفلاسفة المتأخرين كموسى بن ميمون اليهودي الّذي قررّ ذلك بقوله: ( .. وبالجُملة النّظرُ يوجِبُ أن لا يلزم فساد العالم ضرورةً، ولم يبق إلَاّ جهة أَخبار الأَنبياء والحُكماء. هل وقع الإخبار بأنَّ هذا العالمَ سيفسُدُ ولا بُدَّ، أم لا؟ فإنَّ أكثرَ عوامِّنا يعتقدون أَنَّ ذلك وقع الإخبار به، وأنّ هذا العالم سيفسد كلّه. وسأبيِّن لك أَنَّ الأَمر ليس كذلك، بل إنَّ نُصوصًا كثيرةً جاءت في تأييده، وكلُّ ما جاء من ظاهرٍ يبدو منه أَنّه سيفسد، فالأمرُ فيه بيِّنٌ أنّه مَثَل كما سأبيِّن) (٣)

المعارض الثاني: أن انشقاق القمر، لو وقع لجاء متواترًا؛ إذ يستحيل أن يقع مثل هذا الحدث الكوني، ولا تتوفّر الدواعي على نقله، وتدوينه، ولا يشتهر في سائر الأمصار = فخفاء ذلك يدلّ على انتفاء وقوعه.


(١) انظر "تهافت الفلاسفة" (١٢٦)
(٢) انظر"الجواب الصحيح" (٣/ ٣٧٣)
(٣) "دلالة الحائرين" (٣٥٦) وموسى بن ميمون (٥٣٠ - ٦٠٣ هـ): هو موسى بن ميمون القرطبي، أبو عمران اليهودي الملقب بـ"الرَّئيس" عالم بسُنن اليهود، وأحد أحبارهم، كان رئيسًا لهم في الديار المصرية، متفنن في العلوم له معرفة جيدة بالفلسفة، من مؤلفاته "مقالة في البواسير وعلاجها"، و "مقالة في تدبير الصحة"=انظر: "عيون الأنباء "لابن أبي أصيبعة (٥٨٣)

<<  <   >  >>